إيلي ليك وجوش روغين
TT

تصريح كلينتون الأمني تحت التدقيق

الآن، وبعد تصنيف الكثير من رسائل البريد الإلكتروني على الخادم الخاص بالسيدة هيلاري كلينتون، هناك سؤال أكثر إلحاحًا من نتائج التحقيقات ذاتها: هل سوف تحتفظ وزيرة الخارجية الأميركية السابقة بتصريحها الأمني أثناء التحقيقات؟ خرج الأعضاء الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس بإجابات توقعية ومتباينة.
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية قبل فترة أنها لن تُفرج عن رسائل البريد الإلكتروني الـ22 من الخادم الخاص بالسيدة كلينتون بعد المراجعة التي كشفت عن أن تلك الرسائل تحتوي معلومات مصنفة بأنها سرية للغاية. ولقد أخبرنا المسؤولون الأميركيون الذين راجعوا الرسائل، أنها تحتوي على أسماء ضباط بالاستخبارات الأميركية يخدمون في الخارج، ولكنها لا تضم هويات العملاء السريين، أو ملخصات الاجتماعات السرية الحساسة مع المسؤولين الأجانب، أو معلومات تتعلق بالبرامج السرية مثل هجمات الطائرات من دون طيار، أو جهود جمع المعلومات الاستخبارية في كوريا الشمالية.
تحقق المباحث الفيدرالية في استخدام السيدة كلينتون للخادم المنزلي الخاص بها، والذي هو بحوزة المباحث الفيدرالية في الوقت الحالي، عندما كانت تشغل منصبها في وزارة الخارجية الأميركية. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» ذكرت في أغسطس (آب) الماضي، أن السيدة كلينتون ليست هي الهدف من وراء تلك التحقيقات. ولقد ذكرنا في سبتمبر (أيلول) أن أحد أهداف التحقيقات هو اكتشاف ما إذا كانت أجهزة الاستخبارات الأجنبية قد اخترقت الخادم الخاص بالسيدة كلينتون.
وقال النائب آدم شيف، الديمقراطي البارز في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، إنه لا ينبغي سحب التصريح الأمني من السيدة كلينتون بسبب تسلم معلومات غير مصنفة بأنها سرية للغاية في ذلك الوقت. وأضاف النائب شيف: «إنني متأكد من أنها تحتفظ بتصريحها الأمني كما ينبغي لها ذلك».
ولقد أخبرنا النائب مايك بومبيو، الجمهوري البارز في لجنة الاستخبارات المذكورة والذي اطلع على رسائل البريد الإلكتروني، قائلا: «من الأهمية، بالنظر إلى كل المعلومات التي بحوزتنا حاليا، أن يعمل مجلس النواب مع السلطة التنفيذية على تحديد ما إذا كان من المناسب أن تحتفظ السيدة كلينتون بالتصريح الأمني المخول لها من عدمه».
كما أخبرنا السيناتور ريتشارد بور رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أن القرار في ذلك يرجع إلى البيت الأبيض. وأضاف: «أعتقد أن الأمر يرجع إلى مجلس الأمن القومي ومدى ارتياحه للقرار المنتظر».
وقال السيناتور بور، الذي اطلع بدوره على كل الرسائل الـ22 المشار إليها، إنه كان حريًا بالسيدة كلينتون أن تكون على علم واطلاع بأساليب حماية وتأمين المعلومات التي لديها، مضيفا: «إنها معلومات ذات حساسية عالية من دون شك. وأي شخص يعمل في مجال الاستخبارات يعلم أن تلك المحتويات حساسة للغاية».
وقالت النائبة ديان فينشتاين، الديمقراطية من لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، والتي اطلعت على الرسائل كذلك، إن السيدة كلينتون لم ترسل بالأساس أي رسالة بالبريد الإلكتروني، وإن أغلب الرسائل كانت مرسلة بواسطة الموظفين التابعين لها، على الرغم من أنها قامت بالرد على بعض تلك الرسائل في بعض الأحيان. وأضافت النائبة فينشتاين أن مجتمع الاستخبارات يبالغ في الحذر عند توصيف تلك الرسائل بأنها عالية السرية.. «ما من شك في أنهم يبالغون كثيرا في تصنيف تلك الأشياء».
تعتبر مناقشة السيدة كلينتون للبرامج السرية عبر نظام البريد الإلكتروني غير السري من الأمور نادرة الحدوث. وتلك المسألة، والمعروفة باسم «التسرب»، قد ابتليت بها الحكومة الأميركية عبر سنوات طويلة. ويمكن سحب هذا الاسم على أي شيء من المحادثة الشفهية حول برامج الاستخبارات خارج المنشآت المؤمنة، وحتى طباعة الوثائق ذات المعلومات السرية على طابعة غير مؤمنة.
ومع ذلك، لا يزال كلا الأمرين من المحظورات بالكلية، حيث يقول دليل الشؤون الخارجية لوزارة الخارجية الأميركية: «نقل المعلومات السرية عبر قناة الاتصالات غير المصرح بالنقل خلالها وفقًا لمستوى المعلومات المنقولة يعد انتهاكًا أمنيًا». ويتعين إجراء التحقيق في هذه الانتهاكات من قبل وزارة الخارجية، وتحديدًا من جانب مكتب الموارد البشرية ومكتب الأمن الدبلوماسي في الوزارة. وتتراوح العقوبات في ذلك من خطاب التوبيخ وحتى فقدانًا للتصريح الأمني، وفقًا للمذكور في الدليل.
وعند سؤاله حول موقف التصريح الأمني للسيدة كلينتون، قال جون كيربي الناطق باسم الوزارة: «وزارة الخارجية لا تعلق على موقف التصاريح الأمنية للموظفين لديها. ونقول، رغم ذلك، إنه وبصفة عامة، هناك تقليد قديم لوزراء الخارجية الذين يواصلون عملهم في وزارات أخرى أو يتولون مناصب أعلى في الدولة. ويُسمح لوزراء الخارجية في المعتاد بالاحتفاظ بالتصريح الأمني خاصتهم والدخول إلى سجلاتهم الخاصة لاستخدامها في كتابة مذكراتهم وما شابه من تلك الأمور». وقد رفضت حملة السيدة كلينتون التعليق على الأمر.
في عهد إدارة الرئيس أوباما، لم يكن الأمر تلقائيًا بالنسبة للمسؤولين أن يفقدوا تصاريحهم الأمنية أثناء سريان التحقيقات. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت أنه قد تم تعليق التصريح الأمني الخاص برئيس جهاز الاستخبارات البحرية، نائب الأدميرال تيد برانش، بسبب ضلوعه في تحقيقات تجريها وزارة العدل الأميركية حول اتهامات بالفساد. ولم يكن الأدميرال برانش منذ ذلك الحين قادرًا على قراءة، أو الاطلاع على، أو الاستماع إلى المعلومات السرية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) لعام 2013. ولم توجه أي اتهامات للأدميرال برانش حتى الآن وهو مستمر في ممارسة أعماله في منصبه.
ولكن عندما خضع ديفيد بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية، لتحقيقات المباحث الفيدرالية في نهاية عام 2012، لم يتم إلغاء تصريحه الأمني بصفة رسمية. وبعد استقالته، تم تعليق وصوله إلى المعلومات السرية، وفقًا للمسؤولين الأميركيين ذوي الاطلاع على الأمر. وفي تلك القضية، تقدم بترايوس بمذكرات تحتوي على معلومات سرية للغاية إلى صديقته ومؤلفة سيرته الذاتية باولا برودويل، والتي لم يكن يسمح لها تصريحها الأمني بالاطلاع على تلك المعلومات لحساسيتها.
وخلافًا لقضية برودويل، فلقد أخبرنا المسؤولون المطلعون على رسائل البريد الإلكتروني أن السيدة كلينتون وموظفيها كان مصرحًا لهم بتسلم تلك المعلومات التي صنفت بأنها سرية. ولقد قال لنا ستيفن أفترجود، الذي يرأس مشروع السرية الحكومية لدى اتحاد العلماء الأميركيين أنه «من الممكن تمامًا أن تبدأ المعلومات من مستوى (غير سري) وتنتقل إلى مستوى (سري للغاية) عندما تثور تساؤلات الرأي العام فقط حول القضية».
وقال ويليام ليونارد، الذي أشرف على عملية التصنيفات السرية الحكومية بين عام 2002 و2008 كمدير لمكتب الرقابة على أمن المعلومات، إن ذلك النوع من التسريبات أصبح شائعًا. وأضاف: «خلاصة القول إنه، إذا أتيحت لك الفرصة للبحث في البريد الإلكتروني غير السري لأحد الأشخاص، فمن الحتمي أن تقف على بعض المواد التي يشير إليها أحدهم وبطريقة ما أنها سرية». كما قال ليونارد إنه في حالة السيدة كلينتون: «ليست هناك إشارة تفيد بأنها تعمدت تجاهل قواعد التعامل مع المعلومات السرية، ولذلك فإنني لا أجد أسبابًا تحول بينها وبين احتفاظها بتصريحها الأمني».
وعلى الرغم من ذلك، أضاف ليونارد أن قرار السيدة كلينتون باستخدام خادم البريد الإلكتروني الشخصي بصفتها وزيرة الخارجية الأميركية «يعكس قدرًا كبيرًا من سوء التقدير المهني، وأولئك الذين نصحوها بفعل ذلك لم يخدموها بشكل أمين».
من شأن تحقيقات المباحث الفيدرالية أن تقول إنه لا السيدة كلينتون ولا أحد من مساعديها قد انتهك القانون، ولكن السيدة كلينتون بنفسها قالت إنها أساءت الحكم وتقدير الأمور. ولا يزال السؤال: كيف يمكن لسوء التقدير أن يؤثر على وصولها إلى أسرار الدولة، أثناء التحقيقات الفيدرالية في القضية وعقب انتهائها؟
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»