د. سلطان محمد النعيمي
كاتب إماراتي
TT

رفسنجاني يفتح النار.. ما الجديد؟

في ذات يوم استيقظت الأنام في إيران على وقع حديث قد جاء من ابن بلدة رافسنجان. قالها للأنام «لا نريد مرشدًا، وإنما نريد مجلسًا يدير إيران». الحديث له وقعه، فقائله يتولى رئاسة مجلس الخبراء المنوط بتعيين المرشد وإقالته. كان ذلك قبل خمس سنوات مضت.
فماذا حدث؟
رفسنجاني يخسر رئاسة مجلس الخبراء ليكون عضوًا كبقية الأعضاء، والمرشد الإيراني ما زال على رأس هرم السلطة، ويأتي مهدي كني رئيس مجلس الخبراء السابق الذي توفي قبل فترة قصيرة ليقول إن هذا المجلس لا يراقب المرشد ويشرف على عمله، وإنما يأتي داعمًا له.
بينما تستعد إيران لإجراء انتخابات البرلمان الإيراني ومجلس الخبراء في نهاية شهر فبراير (شباط) الحالي، تعود الجدلية من جديد، وذلك اللغط الذي يصاحب أي انتخابات فيها. إنها القبضة الحديدية لمجلس صيانة الدستور والمتمثلة في صلاحياته في رفض أو قبول المترشحين للانتخابات. ولم يكن لهذه الانتخابات المرتقبة أن تأتي على خلاف سابقاتها، حيث عاد مجلس صيانة الدستور ليمارس تلك الصلاحية، ومن بين نحو 12 ألف مترشح تقدموا للانتخابات، تم قبول أكثر من 90 في المائة منهم من قبل وزارة الداخلية، ولكن جاء دور مجلس صيانة الدستور لاحقًا ليرفض صلاحية أكثر من 55 في المائة من أولئك. حيث لم يتبق للإصلاحيين من مرشحيهم الـ3000 سوى 30 مترشحا فقط لمجلس يضم في عضويته 290 مترشحا، وتبقى لهم أربعة مترشحين في دائرة طهران التي تضم 30 مقعدا في البرلمان الإيراني، ليعود مجلس صيانة الدستور لاحقًا ويقبل صلاحية 1500 مترشح من أصل 5500 مترشح اعترضوا على رفض صلاحيتهم.
هذا الأمر عاد من جديد ليدفع برفسنجاني إلى المنابر الإعلامية وإبداء اعتراضه على ذلك. وفي الواقع أنه لم يكن من ضمن الذين رُفضت صلاحياتهم، غير أن هناك عددا من المقربين له ومنهم حسن الخميني حفيد قائد ثورة عام 1979، لم يتمكن من الحصول على تأييد مجلس صيانة الدستور.
فما الذي حدث؟
فتح رفسنجاني النار بطريقة مبطنة باتجاه المرشد علي خامنئي وعدد من المسؤولين في إيران باعتبار أنهم ساروا على خلاف نهج الخميني، ولم يعتبروا لفضل الخميني عليهم الذي لولاه، كما قال رفسنجاني، ما وصلوا لما هم عليه من مناصب، وبرفضهم لصلاحية حسن الخميني يقومون برد الهدية التي وهبها لهم الخميني بطريقة غير سليمة.
ينتقل بعدها رفسنجاني ليوجه انتقادا مباشرا لأولئك المسؤولين مخاطبا إياهم بالقول: من الذي أعطاكم الأهلية؟ من أعطاكم حق إصدار الحكم؟ أي شخص منحكم حق إمامة صلاة الجماعة، واعتلاء المنبر والظهور في الإذاعة والتلفزيون؟
إن المتتبع للشأن الإيراني يدرك أن جميع المناصب التي تحدث عنها رفسنجاني تعود بشكل مباشر في تعيين القائمين عليها من المرشد الإيراني علي خامنئي. هذا الأمر أفضى بدوره لأن يتصدر مجموعة من الأصوليين للرد على رفسنجاني، حيث أعلن خطيب الجمعة المؤقت في طهران أن كلا من محمد يزدي رئيس مجلس الخبراء، وكذلك أحمد جنتي رئيس مجلس صيانة الدستور قد نالا مكانتهما من قبل المرشد الإيراني شخصيًا وكذلك البقية. بمعنى أنه حتى رفسنجاني الذي يشغل منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، نال منصبه من قبل المرشد الإيراني.
لم يقتصر الأمر على علم الهدى، بل انطلق كثير من الأصوليين في مهاجمة رفسنجاني.
ويتبقى السؤال هنا، ما هي تلك المساحة التي يمكن القول إن رفسنجاني قادر على أن يؤثر فيها؟
الماضي القريب يعطي دلالة واضحة أن رفسنجاني لم يعد بتلك القوة التي من شأنها التأثير على المشهد السياسي بطريقة مؤثرة في إبراز نفسه، ووصوله من جديد إلى رئاسة مجلس الخبراء على سبيل المثال. ولعل ذلك يبدو أنه واضح لدى رفسنجاني، إذ إن رفض صلاحيته في الانتخابات الرئاسية، ومن ثم خسارته أمام مهدي كني رئاسة مجلس الخبراء، تعطي مؤشرا أن النظام الإيراني بات لا يطيق رؤيته في مثل هذه المناصب المهمة. هذا الأمر لعله يدفع برفسنجاني إلى اتخاذ أساليب مغايرة، ومنها الدفع بمقربين له للوصول إلى ما يمكن أن يطلق عليه تحقيق موازنة في القوى داخل هذا النظام ولكنه أمر مستبعد. فبعد كل ذلك الانتقاد من قبل رفسنجاني للنظام يعود ليقول ولنا في هذه الجملة كثير لنتأمله: لا أملك قدرة الضغط لإعادة النظر في مسألة تأييد الأهلية، فلا سلطان لي في هذه الإشكالية.
فتح رفسنجاني النار، فما الجديد؟