ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

أحداث 25 يناير.. كلينتون كانت محقة

منذ خمس سنوات، اتخذ الرئيس باراك أوباما قرارًا ساعد على إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك. وقامت سياسته على رهان بأن الموجة الديمقراطية التي يحملها «الربيع العربي» ستثمر فترة انتقال سياسي مستقرة داخل مصر وغيرها في الشرق الأوسط.
وجاء إقرار أوباما لمطالب متظاهري ميدان التحرير برحيل مبارك الفوري، مثاليًا ومتفهمًا في ذلك الوقت وحاز شعبية كبيرة. إلا أنه من المعتقد أن ذلك كان واحدًا من الأخطاء الكبرى التي اقترفها أوباما على امتداد فترة رئاسته. والمثير في الأمر أن هذه واحدة من القضايا التي اتخذت هيلاري كلينتون تجاهها موقفًا أقرب إلى الصواب عما كان الحال مع الرئيس.
ونظرًا لأن هذه الأحداث ساعدت في صياغة الفوضى التي عصفت بالشرق الأوسط والتي تفاقمت عامًا بعد آخر منذ عام 2011، فإنها جديرة بإلقاء نظرة جديدة عليها. ولا يقتصر الأمر على كونه واحدًا من دروس التاريخ، وإنما يعزز ذلك الموقف حجة هيلاري القائلة بأنها نجحت في تحليل قضايا كبرى متعلقة بالسياسة الخارجية بصورة صائبة خلال فترة عملها وزيرة للخارجية. وتوحي الأحداث التي تكشفت منذ عام 2011 أنه حال التزام الإدارة الأميركية نصيحة كلينتون، فإن الولايات المتحدة ربما كانت ستصبح في موقف أقوى الآن داخل العالم العربي.
في يناير (كانون الثاني) 2011، بعثت كلينتون بتحذير انطوى على بعد نظر واضح من أن أزمة مصرية بدأت في الظهور. وحسبما ذكرت في كتابها «اختيارات صعبة» الصادر عام 2014، فإنها قالت: «ربما يصبح الوضع على ما يرام في غضون 25 عامًا، لكن أعتقد أن الفترة بين الآن وآنذاك ستكون بالغة الصعوبة بالنسبة للشعب المصري، والمنطقة، ولنا».
وتسرد كلينتون القصة الأساسية في مذكراتها على النحو التالي: عندما كان المتظاهرون يحتلون ميدان التحرير، بعث أوباما، فرانك ويزنر، السفير السابق المبجل لمصر، لمقابلة مبارك في 31 يناير، 2011، وحمل السفير السابق رسالة مفادها ضرورة تعهد مبارك بعدم الترشح مجددًا للرئاسة، والشروع في مرحلة انتقال سلمية. وكتبت كلينتون أنه خلال خطاب تلفزيوني في الليلة التالية، خرج مبارك «ليتعهد بالفعل بالكثير مما طلبه منه ويزنر. ومع ذلك، فقد جاء ذلك ضئيلاً للغاية ومتأخرًا للغاية، بالنسبة لكل من الحشود في الشوارع وفريق العمل داخل غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض».
بعد ذلك، أصبح التساؤل المطروح ما إذا كان ينبغي دفع مبارك علانية نحو بدء فترة انتقال على الفور. وعن ذلك، كتبت كلينتون: «نصح مسؤولون بارزون على المستوى الوزاري، كنت من بينهم، بتوخي الحذر، لكن أعضاء آخرين من الفريق الرئاسي سعوا مجددًا لاستثارة النزعة المثالية داخل الرئيس، مؤكدين أن الأحداث على الأرض تتطور بسرعة كبيرة للغاية لدرجة لا تجعل من الممكن لنا أن ننتظر. وبالفعل، تبدل رأيه».
وفي تلك الليلة الموافقة الأولى من فبراير (شباط)، خرج أوباما على شاشات التلفزيون ليعلن أن الفترة الانتقالية «يجب أن تبدأ الآن». بذلك، تحددت ملامح المستقبل، ذلك أن جماعة «الإخوان المسلمين» كانت قوة المعارضة الأقوى في مصر. ورغم أنها تباطأت في الانضمام إلى الانتفاضة، فإنها الآن تحركت للاستفادة منها. واستمرت كلينتون وويزنر في النصح بتوخي الحذر، لكن أوباما وبخهما لبعثهما بـ«رسائل متضاربة» تقوض من النهج الذي يتبعه البيت الأبيض. بمرور الوقت، تفاقمت المظاهرات في ميدان التحرير، ورفض الجيش التدخل، وتنحى مبارك في 11 فبراير. وذكرت كلينتون في كتابها: «أولئك الذين فضلوا مصطلح (فترة انتقال منظمة) الذي بدا محافظًا، كانوا قلقين من أن القوى المنظمة بعد رحيل مبارك هي (الإخوان المسلمون) والمؤسسة العسكرية». وكشفت السنوات الخمس التالية أنها كانت محقة تمامًا.
إلا أن مشهد المتظاهرين المتهللين في ميدان التحرير كان يصعب مقاومته، ليس بالنسبة لأوباما فحسب، وإنما كذلك غالبية العالم. ومع ذلك، فإنه حتى في الشوارع، بدا واضحًا أن مصر تقدم على مخاطرة، بدعم من الولايات المتحدة. كان الشعب المصري يراهن على أن «الإخوان المسلمين» لن يدمروا تجربتهم الوليدة مع الديمقراطية. بيد أنه مثلما الحال مع أي تغيير سياسي حقيقي، من المستحيل أن يكون المرء على ثقة مما سيحدث. وفي ذلك الوقت، كتبت بعد مشاهدة صورة لمئات الآلاف من المصريين المسلمين يقيمون صلاة حاشدة ابتهاجًا بالنصر داخل ميدان التحرير، أنها «صورة تستدعي للذهن طهران أكثر ما تستدعي القاهرة».
والتساؤل الافتراضي التاريخي الذي يطرح نفسه هنا، ماذا كان سيحدث لو أنه سمح لويزنر بالاستمرار في الحديث إلى مبارك بخصوص تغيير تدريجي بالسلطة. خلال مقابلة أجريت معه، الخميس، قال ويزنر: «كان ينبغي علينا الدعوة لفترة انتقالية منظمة، بدلاً من إخبار مبارك (بالرحيل)، من دون توافر استراتيجية لما سيعقبه».
وتبقى الحقيقة أن أحدًا لم يكن باستطاعته التكهن بسلسلة الأحداث الكارثية التي أعقبت انتفاضة التحرير، حيث أدت لانتخاب محمد مرسي، الذي تسببت الانتهاكات التي اقترفها في رحيله.
الواضح أن الكثيرين فهموا الأحداث التي شهدتها مصر خطأ. أما كلينتون فكانت واحدة من القلائل الذين فهموها على النحو الصائب، ما يعد بمثابة بطاقة ينبغي أن تستغلها بفاعلية أكثر خلال حملتها الانتخابية.

* خدمة «واشنطن بوست»