روبرت كايزوتر
TT

احموا السكان المدنيين السوريين!

بينما ينصب معظم النقاش الدائر في المحافل الأوروبية حول سوريا على مكافحة تنظيم داعش، وعلى المفاوضات الوشيكة بين القوى الإقليمية والأطراف الدولية المنخرطة في النزاع السوري، لا تلقى حماية المدنيين السوريين إلا القليل جدًا من الاهتمام. لا شك أن التركيز على دفع الأهداف الدبلوماسية وأهداف مكافحة الإرهاب أمر صائب تمامًا، لكن تلك الأهداف يجب أن يساندها - لأسباب إنسانية واستراتيجية - وقف للأعمال العدائية وتوصيل فوري للمساعدات إلى المدنيين.
لقد أكد قرار مجلس الأمن رقم 2254، الصادر في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2015، على أن نجاح مفاوضات السلام يتوقف على إرساء وقف لإطلاق النار على كل الأراضي السورية، لحماية المدنيين. وبالتالي، فمهمة المجتمع الدولي وواجبه الإنساني يتمثلان في وضع نهاية لإراقة الدماء في سوريا، فقد زادت جماعات المعارضة في سوريا والقوات الموالية للنظام على حد سواء من معاناة المدنيين السوريين، بفرضها للحصار على بعض البلدات والمدن. ويمكن أن تعزى نسبة كبيرة من الخسائر التي وقعت مؤخرًا في الحرب الأهلية السورية إلى قيام نظام الأسد بقصف المناطق المدنية المأهولة بالسكان. وبالتالي، فمن العوامل الأساسية لتسوية النزاع الاستمرار في مطالبة الأطراف المتحاربة باحترام حق البلدات والمدن المحاصرة في الحصول على المساعدات الإنسانية الدولية، وأن تميز تلك الأطراف بشكل أكثر وضوحًا بين المقاتلين والمدنيين.
هذا فضلا عن أن حماية المدنيين السوريين وتوفير المساعدات الإنسانية لهم عامل جوهري في قبول أي خطة سلام طويلة الأمد. فقد علمنا التاريخ، مرارًا وتكرارا، أن مفاوضات السلام لا تنجح إلا عندما تضمن أمن السكان المدنيين ورفاههم. فحصار بريطانيا لألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى كانت كلفته مئات الآلاف من الأرواح، وإضرام نيران الانتقام في صدور الألمان. وأثبتت فترة ما بين الحربين، كذلك، أن الضغط الخارجي ضروري لحماية حقوق المجتمع المدني؛ إذ تراجع احترام حقوق الأقليات، المدعوم أميركيًا، في أوروبا، بانسحاب الولايات المتحدة من السياسة الأوروبية. لذلك، فوجود قوى ضامنة خارجية أمر حاسم في صيانة التسوية التفاوضية.
وهو ما يعني أن عملية السلام السورية - على النقيض من نظام ما بعد الحرب في العراق منذ 2003 - يجب أن تستند إلى عملية مصالحة داخلية في سوريا، تشتمل على تطبيق وقف فوري لإطلاق النار؛ لكنها تحتاج أيضًا إلى ضغط دولي لتأمين المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين، أي أن المطلوب هو استراتيجية مزدوجة من هذا النوع. لقد أصابت ألمانيا والاتحاد الأوروبي عندما ضمنا وصول المساعدات إلى كل سكان أوكرانيا خلال الحرب الأهلية التي اجتاحتها، مع ممارستهما للضغوط السياسية على طرفي النزاع لتحاشي المزيد من التصعيد في العنف. كذلك أثبت حل النزاعات في البلقان، بعد تفكك يوغوسلافيا، أن عمليات المصالحة قد تستلزم وجود تهديد بالعمل العسكري حتى تنجح.
وفي الوقت نفسه، لن يكفي، على المدى الطويل، مجرد ضمان حماية المدنيين، ما لم تصاحب تلك الجهود تسوية سياسية وتصميم على تطبيق القرارات ذات الصلة. هل تقسم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة؟ من الذي سيضمن السلام وحماية المدنيين على المدى الطويل؟ هل يمكن أن تسهم ألمانيا بخبرتها في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في البلاد، عن طريق توفير مستشفيات متنقلة على سبيل المثال، والمساعدة في إنشاء هياكل إدارية قادرة على العمل، ربما بتكليف من الأمم المتحدة؟ يجب التوصل إلى إجابات عن تلك الأسئلة عندما يلتقي ممثلو الحكومة السورية وجماعات المعارضة نهاية هذا الشهر. إن حماية السكان المدنيين شرط مهم لنجاح عملية سلام تُكتب لها الاستدامة.
* سياسي ينتمي للاتحاد الديمقراطي المسيحي وعضو في البرلمان الألماني
وضابط سابق في هيئة الأركان العامة