«الثروة يمكن أن تكون سيئة لروحك».. إنها ليست مجرد عبارة من الأمثال الشعبية، إنما هي استنتاج من العلوم الاجتماعية الجادة، يؤكده التحليل الإحصائي والتجربة. الأثرياء هم – في المتوسط – أقل عرضة لإظهار التعاطف، أقل عرضة لاحترام حتى القوانين.
ومن الواضح أن الثراء الفاحش يمكن أن يلحق ضررًا روحيًا بالغًا. خذ شخصًا ما ربما تكون شخصيته غير مرغوب فيها في ظل الظروف العادية، وأعطه هذا النوع من الثراء الذي يمكنه من إحاطة نفسه بالمتملقين ويجعله يحصل عادة على كل ما يريد. ليس من الصعب ملاحظة كيف سيصبح محبًا لذاته بشكل مرضي وغير مبال للآخرين.
لذلك ما الذي يحدث لدولة تمنح السلطة السياسية المتزايدة لأصحاب الثراء الفاحش؟
تعتبر أميركا الحديثة مجتمعًا يتركز فيه النصيب المتنامي من الدخل والثروة في أيدي عدد قليل من الناس، ويتمتع هؤلاء الأشخاص بنفوذ سياسي كبير – في المراحل الأولى من الحملة الرئاسية لانتخابات عام 2016. حيث جاءت نصف المساهمات في الحملات من أقل من 200 عائلة ثرية.
ومن الصحيح أيضًا أن هؤلاء الممنوحين السلطة التي يحركها المال يكون من بينهم عدد كبير من المصابين بعقدة الأنانية.
ويتمثل التفسير الأكثر وضوحًا لوجهة نظري في الرجل الذي يقود الآن السباق الجمهوري. فقد برز دونالد ترامب كالمتفاخر بنفسه والمتبجح، ورفعته ملياراته على الضوابط الخارجية التي تحد من قدرة معظم الناس على التصرف بنرجسية؛ فلم يستطع أي أحد أن يقول له: «أنت مطرود». وكانت النتيجة مواصلة رؤية وجهه على التلفزيون ليل نهار.
لكن ترامب ليس الملياردير الوحيد الذي يشعر بأنانية رهيبة ويلعب دورًا كبيرًا في حملته لانتخابات الرئاسة الأميركية المقررة العام الحالي. فقد وردت بعض التقارير الإخبارية عن شيلدون أديلسون، قطب أندية القمار في لاس فيغاس، تفيد بانخراطه في بعض إجراءات المحكمة المعقدة، تدور حول مزاعم بسوء السلوك في عملياته في ماكاو، بما ذلك صلاته بجماعات الجريمة المنظمة. ونظرا لطبيعة عمله، ربما لا يكون كل هذا مثيرًا للدهشة. وإنما ما أثار الدهشة حقًا هو سلوكه في المحكمة، حيث رفض الإجابة عن الأسئلة الروتينية، وتشاجر مع القاضية إليزابيث غونزاليس. وهذا أمر لا يتسنى للشهود فعله.
وبعد ذلك، اشترى أديلسون أكبر صحيفة في ولاية نيفادا. وأثناء وضع اللمسات الأخيرة على عملية البيع، وردت تعليمات للصحافيين في الصحيفة بترك كل المهام المكلفين بها والبدء في مراقبة كافة أنشطة ثلاثة قضاة، من بينهم غونزاليس.
حسًنا، لماذا نهتم بذلك؟ لأن الإنفاق السياسي لأديلسون جعله لاعبًا كبيرًا في سياسات الحزب الجمهوري.
هل هناك أمثلة أخرى؟ نعم بالطبع، حتى لو كانت النرجسية لا ترقى إلى مستويات أديلسون.
كذلك أفكر في الكثير من الأثرياء الذين أعلنوا قبل بضع سنوات بشكل مباشر ودون أي علامة على الوعي الذاتي أن الرئيس أوباما كان يعرقل الاقتصاد من خلال القول إن بعض رجال الأعمال أساءوا التصرف.
ولكي نكون واضحين، يتمثل أكبر سبب لمعارضة سلطة المال في السياسة في الطريقة التي تسمح بها للأثرياء بالتلاعب في النظام وتشويه أولويات السياسة. ويكمن أكبر سبب في كره الأثرياء لأوباما فيما فعله حيال الضرائب المفروضة عليهم، وليس لمشاعرهم. وتعتبر حقيقة أن بعض هؤلاء الأثرياء الذين يشترون النفوذ هم مروعون حقًا. وتميل الأوليغارشية – حكم الأقلية – لأن تصبح القاعدة للحكم تحت هؤلاء الأنانيين المخيفين. هل هذه نرجسية؟ أو حماقة؟ على أي حال، إنه مشهد قبيح، ومن المرجح أنه سيصبح أقبح على مدى السنة المقبلة.
* خدمة «نيويورك تايمز»
9:28 دقيقه
TT
المال ودوره في الانتخابات الأميركية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة