طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

ماذا يعني فوز 20 امرأة سعودية؟

لا شك أن فوز عشرين امرأة في الانتخابات البلدية السعودية هو يوم تاريخي للمرأة السعودية، ولخطوات الإصلاح، والتطوير، بالسعودية نفسها، ولا غرابة أن يكون فوز المرشحات العشرين بانتخابات محلية خبرًا دوليًا مهمًا لما له من دلالات، والسؤال الأهم هنا هو: ما هي مدلولات فوز المرأة السعودية هذا؟
من يتأمل خريطة الانتخابات المحلية، وأين حققت المرأة السعودية الفوز فيها، لا يملك إلا أن يتوقف ويسأل: هل المجتمع السعودي تغير بالفعل؟ وإلى أي مدى؟ وما هو نوع هذا التغيير؟ وما مقياس سرعته؟ وكيف استطاعت النساء السعوديات تحقيق هذا الإنجاز، وخصوصًا عندما نرى التنوع اللافت في خريطة وصولهن من الرياض إلى المدينة المنورة، ومن مكة المكرمة إلى تبوك، والجوف، وكذلك المنطقة الشرقية، وعسير وجازان وحائل؟ كل ذلك يقول لنا إن الفرحة، والابتهاج، يجب أن لا يسرقا منا الأسئلة الجادة، لأن هذه الانتخابات البلدية تعد بمثابة الفرصة النادرة لفهم التغير، والمتغيرات في السعودية.
سعوديًا، يفترض الآن أن تشرع الجامعات، والباحثون، وكذلك الإعلام، في البحث الجاد، وتقديم الدراسات والتقارير، عن المرشحات، وما يمثلنه من أفكار، وكيفية فوزهن بالانتخابات، وطرق تواصلهن مع الناخبين، وكيف استطعن إقناعهم ببرامجهن الانتخابية، وضرورة فهم توجه كل مرشحة، وما مدلولات ذلك بالنسبة للمجتمع، ولماذا استطاعت بعض السيدات الفوز في مناطق سعودية كان يعتقد أنها أشد محافظة، وكيف استطاعت النساء في مناطق لم تكن في دائرة الحراك الفكري أصلاً بالسعودية، إعلاميًا، أو خلافه، الوصول والنجاح.. كل ذلك من شأنه أن يساعد على فهم المجتمع السعودي، ومدى تقبله للتغيير، خصوصًا أن سير الأحداث، ومنذ عشرة أعوام تقريبًا، يقول لنا إن الدولة السعودية، ممثلة بالقيادة، والحكومة، وكذلك مطالبات المثقفين، وآخرين، هي من دفعت بعجلة التغيير، والإصلاح، والتطوير، فهل وصلت الرسالة بهذه السرعة للمجتمع، أم أن الرغبة في التطوير، والانفتاح، وتقبل التغيير متأصلة في المجتمع، وكل ما تحتاجه هو المبادرة، واتخاذ الخطوات، وشرح الأفكار؟
من شأن هذه الأبحاث، والدراسات، والتقارير الإعلامية، النابعة من السعودية أساسًا، أن تساعد في فهم المجتمع السعودي، وهي فرصة مهمة ليطلع صانع القرار أيضًا على مدى التغيير الذي يمكن للمجتمع تقبله، ولنعرف هل الرغبة في التطوير، والانفتاح، والإصلاح، موجودة على نفس الدرجة، والمستوى، بين المواطن والمسؤول، وهل معطلو التغيير هم مجرد أصوات عالية مقابل أغلبية صامتة.. كل ذلك مهم لأنه ليس بمقدور أي مجتمع الهرولة، وإنما التدرج بالإصلاح، والانتخابات البلدية السعودية، وفوز عشرين امرأة فيها، هي فرصة لإعادة قراءة المجتمع، ومعرفة تحولاته، وطموحاته، ومدى تقبله للتغيير، وسرعته. قناعتي أن السعودية داخليًا، وخطوات الإصلاح، والتطوير فيها، والحراك الثقافي والاجتماعي كذلك هو قصة لم تروَ، حيث اختطفت السعودية، إعلاميًا وثقافيًا، لفترة ليست قصيرة، وشوهت بفعل فاعل في قصص الإرهاب، واليوم نحن أمام فرصة جادة تتطلب خطوات جادة من الجامعات، والباحثين، والإعلام، من أجل التوثيق، والدراسة، والفهم، وهذا أهم بكثير من الاحتفاء الإعلامي فقط.

[email protected]