نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الدولة الواحدة.. والدولتان.. والأمر الواقع المستمر

كلّما تعقدت أمور حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، ينهض مصطلح الدولة الواحدة، ولهذا المصطلح مستخدموه من الأميركيين والإسرائيليين والفلسطينيين، وفي حوارات معهد بروكينغز الأخيرة فرض مصطلح حل الدولة الواحدة نفسه واستخدمه الأميركيون بصيغة تحذير للإسرائيليين.. «إن لم تعملوا على حل الدولتين فإنكم ذاهبون حتمًا إلى حل الدولة الواحدة، وهذا يعني ضرب أساسات الدولة اليهودية والذهاب إلى دولة ثنائية القومية».
ورغم عدم وضوح مفهوم الدولة الواحدة وتعدد تفسيراته عند مستخدميه، فإن فريقًا مشتركًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بادر بطرحه بديلاً احتياطيًا عن حل الدولتين، وانطلقت تحت عنوانه أنشطة متعددة، إلا أن الاستجابة الشعبية عند كلا الجانبين ظلّت عند مستوى الصفر، مما قطع وبصورة نهائية، استحالة ترجمة هذا التوجه عمليًا، أو حتى اتساع عدد من يتحدثون به كخيار يمكن أن يكون واقعيًا.
غير أن بعض المفكرين الإسرائيليين الذين ينظر إليهم وإلى طروحاتهم بقدر من الجدية، رأوا أن هنالك إمكانية معقولة لأمر قريب من حل الدولة الواحدة، وهو «اللادولتان»
«اللادولتان» تعني كما يروج لها أحد أبرز منظري وقادة «الليكود»، وهو السيد موشيه أرينز مثلاً.. استيعاب الفلسطينيين أو غالبيتهم في المجتمع الإسرائيلي، دون أن تكون لهم الحقوق ذاتها التي يتمتع بها الإسرائيليون كحق الترشح والتصويت، أي بوسعهم الحصول على البطاقات الشخصية الإسرائيلية التي تتيح لهم الحركة والعمل في إسرائيل، وليس أكثر من ذلك. ورغم مكانة موشيه أرينز المرموقة في إسرائيل وفي «الليكود» بالذات، فإنه بهذه الفكرة يمثل أقلية تكاد لا تذكر، ولا ينظر إليها كحل لمشكلة التجمع الفلسطيني الضخم الذي يعيش داخل إسرائيل وحولها، وهو من الضخامة والنمو بحيث لا تستطيع إسرائيل هضمه أو احتواءه أو التعايش معه. وإذا كان حل الدولتين صار مستبعدًا وحل الدولة الواحدة مستحيلاً، فما الحل الذي تعتمده إسرائيل التي يمثلها الآن بنيامين نتنياهو وثلة من المنسجمين معه على رأس الهرم الإسرائيلي؟
توصل نتنياهو إلى صيغة توفر مخرجًا له وليس حلاً للموضوع الفلسطيني، ومخرج نتنياهو هو التالي.. الإعلان بين وقت وآخر عن موافقته على حل الدولتين، وهو بذلك يضفي مرونة على سياسته المتشددة، وخصوصًا أمام المد الدولي الكاسح نظريًا لحل الدولتين. وإلى جانب ذلك، يجوّف حلَ الدولتين بشروط يستحيل على الفلسطينيين قبولها مثل الاعتراف بيهودية الدولة بما يحمله هذا الاعتراف من ضرر مباشر على ملايين اللاجئين الفلسطينيين وما يقارب مليوني فلسطيني مقيمين في إسرائيل. وبين استحالة قبول الفلسطينيين بشروط نتنياهو التعجيزية وضغط العالم بحتمية قيام الدولة الفلسطينية، فإن رهان نتنياهو وفريقه يتركز على قوة الأمر الواقع الذي يريده متجذرًا ومستمرًا، والأمر الواقع هذا هو المناخ المواتي لفرض المشروع الليكودي على الأرض وعلى نحو لم يبقَ فيه للفلسطينيين من مكان ولو لدولة شكلية.
إن هنالك فرصة لاعتراض هذا الأمر الواقع الإسرائيلي لا أحد يعرف متى تتبلور، هي قد تكون اقرب إلى معجزة وهي أن يسفر الربيع العربي عن حل إقليمي مفروض على الجميع بما في ذلك إسرائيل، ودعونا نفترض أن خلاصات الربيع العربي الذي وصف عن حق بحرب عالمية في الشرق الأوسط ستكون شبيهة بخلاصات الحرب العالمية التي سبقتها في منتصف القرن الماضي. ودعونا نفسر المعجزة على أنها توافق دولي، على حل جميع مشكلات المنطقة التي أرّقت العالم عقودًا من الزمن؛ فساعتئذٍ يمكن التفاؤل بحل ولكن متى، دعونا نراقب ما يجري في سوريا والعراق، وربما غيرهما من بلدان الربيع.