زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الطب والجراحة عند الفراعنة

ما من شك أن الطبيب المصري القديم هو أول من درس ووضع علوم الطب والتشريح في العالم القديم، ويعتبر التحنيط أحد المجالات التي ساعدت الطبيب المصري القديم على فهم الجسد الآدمي والحيواني بل والطيور أيضا، هذا الفهم أدى دون شك إلى تقدم علوم الطب عند الفراعنة سواء الطب البشري أو البيطري.. فمن الغريب أن تجد إحدى البرديات الطبية والتي عثر عليها في منطقة الفيوم تتحدث عن طرق علاج عيون العجول الوليدة المصابة!
وواضح من الأدلة الأثرية أن الطبيب الفرعوني توصل إلى معرفة أقل ما توصف بأنها غاية في الدقة لوظائف الأعضاء وطبيعة عملها مثل القلب والرئتين والمعدة والكي والكبد والبنكرياس وغيرها من الأعضاء. كما أن الممارسات الطبية جعلته يعرف من أي جزء تحديدًا يمكنه فتح الجسم البشري والوصول إلى الأعضاء والأحشاء الداخلية دون تدميرها، فمن خلال فتحة صغيرة يصل طولها إلى بضعة سنتيمترات في الجانب الأيسر من البطن تمكن المحنط المصري القديم من الوصول واستخراج كل أعضاء الجسد الآدمي وتحنيطه على حدة.
لقد قدمت لنا الحفائر التي نفذتها بمقابر العمال بناة الأهرامات سيلا من المعلومات عن مدى تقدم الطب المصري القديم، فمنذ ما يقرب من 4500 سنة كان الجراح المصري يجري عمليات بتر للأرجل والأيدي المصابة دون أي مشكلة، مما يؤكد معرفته بطرق وقف النزيف ومعالجة الأوردة والشرايين. كذلك كشفت عن هياكل عظمية لعمال تعرضوا إلى كسور وتم علاجها بمهارة مذهلة وعاش العمال واستكملوا عملهم دون أي مشكلة. وكانت مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لي أن نكتشف وجود فريق طبي مقيم بموقع بناء أهرامات الجيزة مهمته الحفاظ على صحة وسلامة العمال والفنانين، ولنا أن نتخيل ما يمكن أن يحدث لو ظهر وباء وانتشر بين عشرة آلاف عامل وعائلاتهم مقيمين في مكان واحد ويعملون في فرق كبيرة العدد؟! بالطبع لولا وجود الرعاية الصحية المتكاملة ما كان ليتم أي من المشروعات الفرعونية العملاقة.
ولقد نالت المرأة الفرعونية نصيب الأسد من الرعاية الصحية، خاصة أثناء فترة الحمل، بل وكان في إمكانها أن تعرف نوع المولود الذي ستلده، وذلك عن طريق تحليل البول بطريقة فريدة، حيث كان يتم استزراع أنواع مختلفة من الحبوب، منها الحنطة ببول المرأة الحامل، وفى حال نمو نباتات بعينها دون الأخرى، يتعرف الطبيب المصري القديم على نوع المولود. والمفاجأة، أن هذه الطريقة جربها العلماء في العصر الحديث، وكانت النتائج بالنسبة لهم بمثابة الاكتشاف، حيث ثبت أن نوع المولود بالفعل يغير في تركيبة بول المرأة الحامل، وأن عناصر تظهر مع كون الجنين ذكرًا وأخرى في حال ما كان الجنين أنثى. هذا ويعتبر كرسي الولادة اختراعا مصريا أصيلا، شهد له علماء العصر الحديث بأنه كان السبب المباشر في نمو سكان مصر في العصر الفرعوني بصورة طبيعية نتيجة قلة نسبة وفيات المواليد والنساء أثناء الولادة.
كُشف عن مقبرة الطبيب كار من الدولة القديمة بسقارة، وكانت معه أدوات الجراحة الخاصة به وبدراستها ثبت أن الفراعنة درسوا وبعناية علوم الطب والتي نقلها عنهم اليونانيون. يكفي أن نعرف أن التخصص كان أمرًا مهما، فكان هناك طبيب الأسنان، وطبيب العيون، والممارس العام والجراح. وكان للفرعون فريق طبي، افتخر أفراده في مقابرهم بعلومهم المتقدمة، وثقة الفرعون فيهم.. ولا تزال أسرار الفراعنة تتكشف لنا يومًا بعد يوم.