د. عبد الملك بن أحمد آل الشيخ
مستشار قانوني و كاتب سعودي
TT

دول الخليج.. ومستقبل التنمية

تظل التنمية هي قضيتنا الأولى في دول الخليج العربية، كما هي قضية كل المجتمعات في الدول النامية. إلا أن اختزال التنمية في الجانب المادي الاقتصادي فقط، وإعطاء هذا الجانب الحظ الأكبر من الاهتمام والتركيز، يزيد من صعوبة تعزيز التنمية، وينتج كثيرا من الآثار السلبية.
وإلى سنوات ليست بالبعيدة كان العالم قائما على التوازن والتنافس بين «آيديولوجيتين» متنافرتين، هما الشيوعية والرأسمالية، ثم انهارت الشيوعية لتقف الرأسمالية، صاحبة آليات السوق الحرة والمؤسسات، وحدها في الميدان، مما يحتم على الدول النامية (على الرغم من تفاوت دخولها الاقتصادية) أن تتلمس طريقا جديدا للتنمية، في ظل ظروف متغيرة، وفي ظل عولمة الاقتصاد، وثورة المعلومات، وتنافسية الأداء بين الدول بصورة لم يشهد التاريخ لها مثيلا من قبل.
وإذا كان العالم هو تاريخا اقتصاديا، فإنه - قبل كل شيء - تاريخ إنساني أيضًا. ومع التطور (التكنولوجي) المتسارع فإن كل ما يتحقق من نمو اقتصادي لا بد أن تسبقه تنمية اجتماعية وتقنية، تواكب وتتعامل مع هذا التطور والنمو.
وللإرادة السياسية - في دول الخليج العربي - دور مهم في خلق البيئات المناسبة للتنمية المتكاملة وضمان استمراريتها، لعل من أهم تلك البيئات بيئتين.. إحداهما: البيئة التقنية وتطبيقاتها، من خلال الإبداع في سياساتها التنموية، والربط بين الوظائف الحكومية التخطيطية والرؤية الاستراتيجية للتنمية، تلك الرؤية التي تركز على دور الإبداع التقني، وتشجع الدراسات العلمية ذات الطابع التكنولوجي التطبيقي. وفي ظل غياب هذه الرؤية ستنظر تلك الدول - ومؤسساتها الإدارية - إلى الاستثمار في مجال العلوم والتقنية على أنه كلفة إضافية، وزيادة في الأعباء. ثانيتهما: البيئة الاجتماعية، ذلك أن العوامل الاجتماعية، والثقافة السائدة في الدول الخليجية، تتدخل كثيرا في سلوك الأجهزة الإدارية، بل إن تأثيرها يتجذر في الفرد المسؤول، مما يجعل تعديل تلك السلوكيات أمرا في غاية الصعوبة، وينعكس ذلك على العمل الإداري ومخرجاته، والذي يؤثر تأثيرا كبيرا في أداء الاقتصاد، وتحقيق التنمية المتكاملة، سواء في وقت الإنجاز، أو دقته، أو الاحتراف فيه، واحترامه.. إلى آخره.
ومن يتأمل حال دول الخليج العربي خلال العقود الماضية يجدها حققت تقدما اقتصاديا هائلا، لا يمكن أن ينكره أحد. لكن من الصعب أن نحدد ما إذا كان بإمكان هذا النمو أن يستمر ويزداد في ظل تراجع حاد لأسعار النفط وغياب السياسات الفعالة لتنويع مصادر الدخل، وتهميش البحث العلمي، وضعف التنمية الاجتماعية، والسلوك الإداري المعيق.
إلا أن وجود الكفاءات الإدارية - المدركة لأهمية تلك البيئات - في الأجهزة التنفيذية يعد أمرا في غاية الأهمية، لتتمكن دولها من تعزيز تقدمها التنموي بعد أن تسن القوانين والأنظمة الصارمة وتتابع تنفيذها مع وجود الإرادة السياسية الحازمة في المتابعة والمحاسبة. هذا إذا ما أرادت - تلك الدول - أن تعالج كثيرا من مشاكلها التنموية، كالبطالة، ورداءة الإنتاج، وضعف التنافسية، وغيرها.