سعد المهدي
TT

على تخوم نظرية المؤامرة

تخفيف حالة الشك في كل شيء، التي تسيطر على فكر وعقل المجتمع الرياضي، يمكن أن تنجح، لكن تحتاج إلى رغبة حقيقية خاصة من أطرافها المؤثرة، إما إنهاؤها فهي مهمة مستحيلة.
تضاد المصالح يلعب دورًا في استمرار دوامة الشك، واستغلال الأحداث في خدمة الانتصار للموقف وصوابه سياسة ذكية، لكنها متجردة من الأخلاقيات، طبيعة الحراك الرياضي قائم على التنافس، لغته النصر والهزيمة، معي وضدي، وما يقال عن مبادئ الرياضة وقيمها لا يجدي، وإلا لصلح أمر شؤون أخرى لها أدبيات راسخة، وربما أديان سماوية لم يتورع أتباعها من مخالفة تعاليمها وتحريف مقاصدها، والالتفاف عليها أو حتى توظيفها بطريقة شيطانية على غير ما هي عليه في أصلها.
لا يجب التعويل كثيرًا أو قليلًا على الضمير المحترف، ولا على المسؤول المخترق، ولا على اللوائح أو النصوص القانونية إن كانت تساوي بين شركات المقاولات والأندية الرياضية، الشك حالة يصنعها الأقوياء، ويتورط فيها الضعفاء، يتوهون في تفاصيلها وبعد أن يضيعوا عليها كل شيء يحصدون الريح.
الشك في كل شيء ليس هو أخذ الحيطة والحذر، وليس الطريق الأمثل لأخذ الحقوق والمحافظة عليها، وهو كما في اللغة خلاف اليقين، والتردد بين شيئين سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الآخر، لكن المنافسات الرياضية تضبطها لوائح، وألعابها تحكمها قوانين، فمن أين يأتي الشك ما لم يكن من بوابة ضعف أحدهما، أو كليهما، في التشريع أو التطبيق، هذا واحد من الأطراف المؤثرة التي يُعوّل عليها تخفيف حالة الشك، فمن الأطراف الأخرى؟
في ظني أن الحكم على الأشياء من تصور خاص حكم ناقص، وكثيرًا ما يكون ظالما ومجافيًا للواقع، ولأن المجتمع الرياضي يستند في حكمه على ما يجري من زاويته ووفق مصلحته، وهذا أمر متوقع وطبيعي، فإنه من الضروري أخذه عند التعامل معه من الزاوية ذاتها ليس أكثر، بينما يأخذ الحكم العادل عليه مسار التحري والتثبت، ويلتقي في هذه النقطة أكثر من طرف عادة ما يشكلون العناوين والتفاصيل لنار الشك، وهم الجماهير والإعلام وأطراف القضايا من لاعبين، وحكام، ومسؤولين إداريين، وفنيين، هؤلاء يتناوبون في كل مرة على أخذ دور من يشعل النار ومن حطبها!
الطرف الثالث صاحب القرار، الذي يحاول أن لا يظهر في صورة الخصم لأحد، على الرغم من أن طبيعة عمله ترتكز على أنه راعٍ لهم جميعًا، يسوسهم بالعدل الذي لا يتحقق إلا بانتزاعه من طرف وإعطائه لآخر، والعدل في اللوائح والأنظمة والقوانين ليس نسبيًّا كما هو في حالة العاطفة، لكنه أيضًا لا يسلم من الأخطاء، على صاحب القرار مسؤولية تحديد مصدرها كموادّ تعدل أو أفراد تستبدل وتحاسب، الشك الذي يخيم على المجتمع الرياضي، شيء منه غموضا يزيد التنافس سحرا، وجمالا، لكن كثيره ينقلنا إلى تخوم نظرية المؤامرة، التي تعطل العمل، وتزيد من الاحتقان، على حساب المتعة، والإنجاز.