مسعود لاوه
صحافي من كردستان العراق انضم إلى أسرة "الشرق الأوسط" في عام 2001 ويعمل حاليا سكرتير تحرير فيها.
TT

وزير تركي يتكلم بالكردية

لكي لا يقوم البعض بتحليل مقالي هذا نفسيا بالشعــــور بالدونية أو اجتماعيا خلدونيا بإعجاب المغلوب بالغالب كما جاء في مقدمته، أود أن أبيــن أن تثميني لما فعله وزير الخارجية التركي داود أوغلو قبل أيام في ملتقى السليمانية بإقليم كردستان العراق، والذي تنظمه سنويا الجامعة الأميركية في السليمانية، عندما استهل كلمته باللغة الكردية قائلا إنه مسرور لحضوره ملتقى السليمانية الذي تمنى له النجاح، ولم ينس الدعاء (بالكـــردية أيضا) للرئيس العـــــراقي جلال طالباني بالشفاء والســــلامة.
أقول إن تثميني لهذه المبادرة، يأتي كونها من وزير خارجية دولة كانت قبل سنوات تمنع التحدث بلغة غير التركية وتعده جريمة يحاسب عليها القانون، إلى درجة أن البرلمانية الكردية ليلى زانا سجنت قبل سنوات، فقط لأنها «تجرأت» وأقسمت اليمين الدستورية في البرلمان التركي بلغتها الأم، متحدية بذلك الحظر الجائر المفروض على اللغات الأخرى غير التركية.
ولكن معرفة داود أوغلو والتزامه بالمبادئ الإسلامية  التي تحث على قيم المساواة بين البشر كأسنان المشط، وكراهة تفضيل التركي على غيره إلا بالتقوى، كونه من خلفية حزبية إسلامية معتدلة، جعلته لا يستنكف التحدث باللغة الكردية أمام جمع غفير جلهم من الأكراد.
ولكي لا يفسر أحد بأن هذه الكلمات القليلة التي قرأها الوزير التركي على قصاصة معدة سلفا، ما هي إلا مجاملة عابرة تتطلبها المصالح الاقتصادية مع إقليم كردستان والتي تتجاوز ملايين الدولارات إلى المليارات، فقد قال بالإنجليزية: «أتمنى أن يكون تلفظي للعبارات الكردية صحيحا»، مستدركا أن ما قاله لا يحتاج إلى ترجمان كونه «يخرج من القلب إلى القلب وليس من اللسان إلى الأذن فقط».
ومن الجدير ذكره، أن هذه ليست المرة الأولى التي تبدر مثل هذه المواقف من الوزير التركي أو من قيادات أخرى من الحزب التركي الحاكم. ففي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عندما زار رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني ديار بكر في كردستان تركيا والتقى هناك برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لبحث وتذليل العقبات التي تكتنف عملية السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، خاطب أردوغان الجماهير الكردية المحتشدة في ميدان الاحتفال بالمناسبة قائلا إن «عملية السلام ستتقدم بدعم إخوتي في ديار بكر» مبديا تأسفه: «كيف تسنى للأتراك والأكراد أن يمزقوا بعضهم البعض؟ ينبغي ألا يستمر ذلك».
إضافة إلى ذلك، قال المغني الوطني الكردي شيفان برور، الذي من الممكن وصفه بـ«مارسيل خليفة الأكراد»، والذي كان قد هاجر من تركيا في سبعينات القرن الماضي وعاد إلى البلاد بعد 37 عاما قضاها في المنفى لاجئا بألمانيا، للمشاركة في الاحتفالات، قال إن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو عبر عن أسفه واعتذاره له لأن الدولة التركية اضطرته للجوء إلى المنفى بعيدا كل هذه السنوات عن بلده الذي من المفروض أن يتمتع بكل حقوق المواطنة فيه.
قد يعتبر من يؤمن بمبدأ «سوء الظن من حسن الفطن» أن ما تقوم به الحكومة التركية الحالية من التقرب إلى الأكراد في كردستان العراق ومحاولة الوصول إلى حل مع حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) في تركيا، ضريبة لا بد على الدولة التركية من دفعها لتمهد الطريق للحصول على بطاقة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي. لكنني أستبعد أن يكون هذا هو السبب الرئيس، للمبادرات التقريبية التركية مع الأكراد.
لكن، وإن فرضنا جدلا أن هذا التفسير صحيح، فهل يدخل هذا من باب النفاق السياسي أو محاولة خداع الخصم إلى حين الوصول إلى الأهداف ومن ثم «عودة حليمة إلى عادتها القديمة»، أم أن هذه الخطوة تصب فيما يسمى بـ«تلاقي المصالح» بين الأكراد والدولة التركية. فبالنسبة لأكرادها، فإن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يلزم عليها التمسك أكثر بقوانين الاتحاد الضامنة لحقوق الإنسان والأقليات والمساواة بين المواطنين في البلد الواحد. فتفكر أكثر من مرة قبل القيام بأي إجراء أو تقنين يصب في مصلحة الأغلبية التركية على حساب مصلحة بقية مكونات البلد ومنهم الأكراد.
وحتى وإن دارت الدوائر وأصبحت السلطة في تركيا مرة أخرى بيد الأحزاب القومية العنصرية، وهذا ما ندعو الله ألا يحدث، فإن هذه السلطات تكون أيضا مقيدة بالالتزام بالقوانين الأوروبية ومراعاة حقوق الإنسان، الأمر الذي لا يختلف اثنان على أنه من مصلحة الأكراد.