أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

كلا.. بشار الأسد ليس جوزيف ستالين!

بينما تواصل المأساة السورية استنزاف ذلك البلد، تتداول في أروقة صنع القرار والمراكز البحثية في مختلف أنحاء المعمورة عبارة متكررة هي: لا يمكن أن يوجد حل من دون بشار الأسد! وهكذا تنهمر علينا المقالات التي تحث القوى الغربية على قبول الأسد حليفًا في محاربة «داعش». لكن قبل عام واحد فقط، كانت العبارة المتكررة الرائجة جد مختلفة: لا يمكن أن يوجد حل ما لم يرحل الأسد!
الرئيس الأميركي باراك أوباما كرر في أكثر من مناسبة شعاره الأثير، هازًا إصبعه بأسلوبه المعروف، قائلاً: «كونوا على يقين.. الأسد يجب أن يرحل».
بعضنا جادل ضد هذه المقولة في ذلك الوقت. ودفعنا آنذاك بأن الأسد يمثل بالفعل شريحة من السكان في سوريا، وينبغي أن يوضع في الحسبان في إطار عملية انتقالية تنتهي بخروجه من المشهد. وبعد 4 سنوات، بات يتعين علينا أن نجادل بأن المقولة الجديدة لا تقل خطأ عن سالفتها.
إن السعي إلى التحالف مع الأسد ليس خطأ فحسب من الناحية الأخلاقية، لكنه أيضًا غير فعال استراتيجيًا. إنه خاطئ أخلاقيًا، لأن اسم الأسد بات الآن مرتبطًا بصورة نهائية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لا يمكن أن يداريها الحديث الدبلوماسي الملتوي.
وحتى لو غضضنا الطرف عن الاعتبارات الأخلاقية، فإن التحالف مع الأسد لن يجدي نفعًا كذلك بمعايير الواقعية السياسية غير الأخلاقية، ولن نقول الوحشية.
ويستشهد الداعون إلى عقد تحالف مع الأسد بمثال الطاغية السوفياتي جوزيف ستالين، الذي أصبح حليفًا للديمقراطيات الغربية ضد ألمانيا النازية. لم ترق لي قط مثل هذه المقارنات التاريخية وبالأخص هذه المقارنة.
ولكن بداية، أؤكد أن الديمقراطيات الغربية لم تختر ستالين حليفًا لها، ولكن فرضته عليها مجريات الأحداث. عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية كان ستالين حليفًا لهتلر بفضل اتفاق مولوتوف - ريبنتروب. وشارك الاتحاد السوفياتي بفعالية في المرحلة الافتتاحية من الحرب عبر غزو بولندا من الشرق، بينما جاء الألمان من الغرب. وقبل ذلك، قدم ستالين خدمة جليلة لهتلر، عندما قضى على الآلاف من جنود الجيش البولندي في مذبحة غابة كاتين.
وبين سبتمبر (أيلول) 1939 ويونيو (حزيران) 1941، عندما قام هتلر بغزو الاتحاد السوفياتي، كان ستالين حليفًا فاعلاً للنازي. ولم يغير الطاغية السوفياتي المعسكر الذي يحارب في صفوفه إلا مضطرًا، وبعدما أدرك أنه لا سبيل آخر للنجاة.
الوضع في سوريا اليوم مختلف تمامًا. ولا يوجد في الوقت الحاضر أي تحالف للقوى الديمقراطية التي لا تمتلك أي استراتيجية في الشرق الأوسط، والفضل يعود في ذلك إلى المسلك الغامض والملغز الذي ينتهجه أوباما.
وعلى النقيض من ستالين، لا يوجد معسكر آخر ينقلب إليه بشار الأسد، حيث يعتبر «داعش» حليفًا تكتيكيًا ضد جماعات المعارضة المسلحة الأخرى. ولذلك تركز روسيا الآن ضرباتها الجوية على الجماعات المسلحة غير الداعشية التي تقاتل الأسد. الأهم أن الأسد لا يمتلك أيًا من المزايا التي كان يتمتع بها ستالين وقدمها للحلفاء.
ستالين كان بوسعه أن يوفر هذا الاتساع الشاسع من الأراضي التي يسيطر عليها الاتحاد السوفياتي والقادر على ابتلاع فرق ألمانية لا حصر لها بلا أدنى مشكلة. ولم تكن قوة الغزو التي قادها الفيلد مارشال فون باولوس سوى قطرة في محيط اليابسة السوفياتية. وعلى النقيض لا يمتلك الأسد أي عمق جغرافي ليقدمه إلى حلفائه.
ووفق الجنرال الإيراني حسين حمداني الذي لقي حتفه في مدينة حلب السورية، فإن الأسد يسيطر شكليًا على نحو 20 في المائة من مساحة البلاد.
ستالين كان يمتلك أيضًا مددًا لا ينتهي من القوات، إذ كان بمقدوره أن يرسل ملايين المقاتلين من أعماق الأورال وآسيا الوسطى وسيبيريا. وعلى العكس، اعترف الأسد علانية بأن رصيده من الجنود ينفد، ليعتمد على المدد القادم من حزب الله الذي ترسله طهران.
وإذا كان الأسد قد تمكن من التشبث بشطر من سوريا، فإن الأمر يعود جزئيًا إلى أنه يمتلك قوة جوية يفتقر إليها خصومه. ولكن حتى تلك الميزة تأثرت بفعل قانون العوائد المتناقصة. إن قصف القرى والبلدات المسالمة بلا هوادة على مدار 4 سنوات لم يغير ميزان القوى على الأرض لصالح الأسد. وقد يكون ذلك هو السبب وراء قرار حلفائه الروس بالتدخل وتنفيذ القصف بأنفسهم. في السابق، كانت الطائرات روسية والطيارون سوريين. اليوم أصبحت الطائرات وطياروها من الروس، ما يسلط الضوء على التراجع المتزايد في أهمية الأسد.
أما ورقة اللعب الأخرى، التي كانت بحوزة ستالين ويفتقدها الأسد الآن، فهي الموارد الطبيعية الهائلة التي كان يمتلكها الاتحاد السوفياتي السابق، لا سيما حقول النفط الآذرية التي ضمنت استمرار هدير الدبابات الروسية دون أن ينفد وقودها. وخسر الأسد، على النقيض، السيطرة على حقول النفط السورية، وأجبر على شراء الإمدادات من «داعش» أو المهربين الذين يعملون انطلاقًا من تركيا.
وتوجد أيضًا اختلافات أخرى بين ماضي جوزيف ستالين وحاضر بشار الأسد. لقد كان ستالين، الذي كان ينعته المداهنون بـ«أبو الأمة»، يمتلك الكلمة العليا في جميع القضايا. لكن الأسد لا يتمتع بذلك الوضع الآن. في الواقع، ومرة أخرى بحسب ما صرح به الجنرال الراحل حمداني في مقابلته الأخيرة التي تنشرها وسائل الإعلام الإيرانية، ما تبقى من نظام البعث السوري تديره من خلف الكواليس هيئة من الشخصيات، لا تعتبر الأسد سوى رئيس صوري.
لقد أدرك وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي صادق الأسد وزوجته، عندما كان سيناتورا في مجلس الشيوخ، أن الديكتاتور السوري كان مجرد لاعب بين كثيرين في عالم سياسة القوة الضبابي في دمشق.
علاوة على ذلك، ونتيجة الدمار الذي لحق بالبلاد على مدار أكثر من 4 سنوات، حتى هذه «الهيئة من الشخصيات» لم تعد تمتلك السلطة التي كانت تحوزها في الماضي. اليوم، لا يُرسَم على الأقل جزء من السياسات السورية في دمشق ولكن في موسكو وطهران.
وتلخيصًا لما سبق، كان ستالين يمتلك الأرض والقوى البشرية والموارد الطبيعية والسلطة، وكلها أمور يفتقر إليها الأسد. وبناء على ذلك فإن المقارنة بين الرجلين لا تستقيم. لكنّ الداعين إلى التحالف مع الأسد يقدمون حجة أخيرة لدعم موقفهم وهي: إذا رحل فقد يخلف ذلك فراغًا.
ولكن لماذا يتحدثون عن الفراغ بدلاً من انفتاح المجال أمام بداية جديدة في سوريا؟ وبغض النظر عن السمات الشخصية التي يمتلكها أو يفتقر إليها، فإن الأسد أصبح رمزًا لما لا تريده غالبية السوريين. وفي حال رحل، أو بالأحرى عندما يرحل، سينفتح مجال قد يسعى من خلاله الذين لا يريدونه إلى التصالح مع الراغبين في بقائه، مع تناقص أعدادهم.