علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

إرادة القتال

احتل الخبر الذي نشره المرصد السوري عن دخول 75 مقاتلاً دربتهم الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا إلى حلب اهتمامًا خاصًا باعتباره تطورًا جديدًا على الساحة العسكرية هناك، في حين أن العدد لا يوحي بأنه يكفي لأي تغيير في الموازين العسكرية على الأرض.
تغيرت الخريطة العسكرية على الأرض في سوريا عما كانت عليه، وتغيرت معها أولويات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والساعي إلى تغيير النظام، فأصبحت الأولوية لدحر تنظيم داعش، الذي أطلق على نفسه اسم «الدولة الإسلامية»، بينما فتحت الولايات المتحدة تحت ضغط المخاوف من الإرهاب، والدعم الروسي الصريح للنظام، طاقة لإمكانية إشراك الأسد نفسه في التفاوض باعتباره أحد اللاعبين.
قضية تسليح المعارضة السورية المعتدلة وتدريبها مثار أخذ ورد وجدل منذ سنوات، ولا أحد يعرف لماذا لم تنجح أو لماذا ظل الدعم محدودًا لهذه المعارضة، بحيث إننا وجدنا في نهاية الأمر أن من يقاتل حقيقة على الأرض هو النظام مدعومًا بمقاتلين من حزب الله ومن تنظيمات عراقية طائفية، في مواجهة تنظيمات متطرفة استطاعت أن تجذب مقاتلين من مختلف دول العالم يعتبرون أن القتال في سوريا مهمة مقدسة.
لا أحد يتوقع من 75 مقاتلاً أن يقلبوا ميزان القوى، إلا لو كانوا مثل أسطورة الـ300 مقاتل من إسبرطة الذين أوقفوا زحف جيش فارسي على اليونان، والتجارب السابقة لا توحي بالتفاؤل، فقد تم خطف أو أسر مقاتلين سابقين دربتهم الولايات المتحدة، ودخلوا إلى سوريا لمقاتلة المتطرفين، بينما تثير برامج دعم المعارضة السورية انتقادات الجمهوريين ضد إدارة الرئيس أوباما ويعتبرونها مهزلة.
والحقيقة أن المشكلة الحقيقية هي إرادة القتال، فمن الصعب تحقيق أي نتائج عملية على الأرض، سواء كان العدد 75 أو ألف مقاتل ما لم تكن هناك إرادة حقيقية للقتال، أو عقيدة قتالية واضحة، فلا يحدث الانهيار في أول مواجهة؛ ففي النهاية الحرب صراع إرادات، والنصر كسر إرادة طرف أو جهة على مواصلة القتال.
أبرز مثال على ذلك إرادة القتال عند الأكراد في سوريا والعراق ضد عناصر «داعش» والتنظيمات الشبيهة، وهم استطاعوا دحر مقاتلي التنظيم في كوباني، وفي معارك أخرى في العراق، رغم الفظائع التي يرتكبها مقاتلو التنظيم القادمون من بلدان ومناطق أخرى بعيدة كالشيشان، بهدف الترويع وإشاعة الخوف. وفي المقابل، لم تنجح حملة الجيش العراقي في تطهير الأنبار، وانتهت بانهيار، لأنه لم تكن هناك إرادة قتال قوية في نفوس الجنود المطلوب منهم طرد المسلحين.
من دون غرس إرادة القتال في نفوس المقاتلين يصبح التسليح والتدريب مثل الحرث في الماء؛ إضاعة للوقت والمجهود، وينتهي الأمر بالسلاح في يد عصابات المتطرفين. وفي سوريا، فإن عقيدة القتال موجودة وعادلة، ولا يُعتقد أن السوريين الذين كانوا يطمحون لنظام أكثر عدالة سيقبلون بفرض نظام يستوحي أفكاره من القرون الوسطى عليهم.
هذه المعركة ليست في سوريا فقط، لكنها على امتداد العالم العربي وتأخذ أشكالاً مختلفة بالسلاح أو بالأفكار، وتحتاج إلى إرادة قتال قوية لدفع المنطقة نحو التحديث وحمايتها من اختطافها على يد قوى الجهل والظلام.