بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

أسرار تنوء بها ظهور

استمع إلى المقالة

بدت الصدمة فوق قدرة كثيرين على التصديق؛ لذا لم أندهش حين زعق صوت صديقة صارخاً عبر الهاتف، يخبرني أنها لم تصدِّق، حتى إنها قفزت «I JUMPED UP»، عندما سمعت الاسم. الصديقة، التي عُرف عنها بين أصدقائها الكثر رباطة الجأش، وسعة الاطلاع على نحو يوفر لها شعور حدسٍ «HUNCH» يتوقع الحدث، فلا تُفاجأ كثيراً، حين تقع أحداث غير متوقعة؛ كانت تناقش معي وقع مفاجأة الكشف عن اسم هيو إدواردز، باعتباره المعنيّ بفضيحة شُغِلت الناس بالتساؤل عمن هو «بطلها»، بعدما جرى إخفاء اسمه عنهم بضعة أيام. مستر إدواردز مذيع في هيئة «بي بي سي» يتمتع، عن جدارة واستحقاق، بمكانة النجم الذائع الصيت، وهو موضع احترام وتقدير في كل أنحاء بريطانيا، وربما خارجها أيضاً. قد تفسر تلك المكانة سر أن يُصدم كثيرون، كنتُ واحداً منهم، بفعلة هيو إدواردز، لكنها، بالتأكيد لن تكشف عن كل الأسباب الكامنة وراء إقدام مَنْ هم في مكانته على فعل كهذا.

رغم ذلك، واضح أن القصة تكشف، من جديد، حجم معاناة الأشخاص الذين تنوء ظهورهم بأسرار ذاتية يخشون يوماً إن انكشفت لغيرهم، فسوف تثير من ردود الفعل ما يؤثر سلباً على غيرهم، وخصوصاً بين أقرب الناس إليهم، وتحديداً داخل عائلاتهم، والأصدقاء المقربين منهم، أو الزملاء العاملين معهم. يزداد الأمر سوءاً في حال أن السر المفضوح يقترب من درجة وزر، أو ذنب، أو إثم، وبالتالي قد تمسي الحكاية مجرد لهو عابر، لكنها تصبح وقد دخلت قائمة الفضائح، التي ربما يصعب على عوام الناس نسيانها، ومن ثم التسامح مع مرتكبها. أيضاً، سوف تتعقد المسألة أكثر عندما يكون المعنيّ بها في موقع رسمي. معروف أن حرية كل شخص يدخل مضمار العمل العام، تبدأ في التقلص منذ يبدأ نجم ذلك الفرد في الصعود، وإذ يسطع الاسم في فضاء الشهرة إلى حد انبهار الآخرين بما تحقق له، أو لها، من نجومية؛ فإن حدود حريته، أو حريتها، الخاصة تضيق إلى الحد الذي لن يُطاق أحياناً؛ لما يتسبب به من ضيق للشخص ولأسرته.

ضمن ذلك السياق، فإن قصة نجم «بي بي سي» اللامع ليست غريبة، بل إن فضائح عدة تتعلق بعدد من مشاهير ونجوم المجتمع البريطاني، كانت حين أُزيح الستار عنها، أخطر، وأسوأ، على نحو يفوق كثيراً فِعلة هيو إدواردز. بيد أن الذي أعطى المفاجأة وقع الصاعقة، وجعلها في مرتبة الاستثناء، هو أن هيو ذاته ليس ممن يتوقع الآخرون منهم فعلة كتلك رغم ما قد تبدو عليه من تفاهة، قياساً بأفعال غيره.

انكشف السر حين نشرت صحيفة «الصن» خبراً يقول إن «بي بي سي» أوقفت نجماً بين مذيعي الأخبار على شاشتها، للتحقيق في اتهام يقول إنه عرض على مراهق مبلغاً من المال لقاء صور فاضحة للفتى. ربما يوافق البعض، أن الحكاية ليست تستحق كل الذي أثارت من ضجة، ولا حتى أن توصف بأنها فضيحة، خصوصاً أنها حصلت قبل أربع سنوات، بل إن الشاب المعنيّ نفسه أصر أن المذيع لم يرتكب أي فعل أحمق معه. إنما قد يرفض آخرون هكذا تخفيفاً للمسألة، من منطلق أن الشخصية القدوة، إذا خُدشت فلن تستعيد وهجها مجدداً. ممكن، إنما في أول المطاف وآخره، يظل المؤكد هو أن القصة أكدت كم ترهق بعض النفوس أسرارٌ تنوء بها الظهور، رغم أن ما تبدي الوجوه يظهر للناس أن كل شيء على أفضل ما يُرام!