بالأمس أصدرت وكالة الطاقة الدولية تقريرها متوسط الأجل للنفط لعام 2023، والذي عادت فيه كالعادة إلى الحديث المعتاد نفسه، وهو أن الطلب على النفط لن يكون وردياً.
هذه المرة وضعت الوكالة موعداً أقرب تتوقع فيه وصول ذروة الطلب على النفط، حيث توقعت هذه المرة أن يكون أقرب من 2030.
إذا ما صدقت تنبؤات وكالة الطاقة الدولية، فإن نمو الطلب على النفط الذي سيبلغ 204 ملايين برميل يومياً هذا العام، سينمو بأربعمائة ألف برميل يومياً فقط بعد خمس سنوات.
هذا معناه أن كل هذه الاستثمارات التي يعلن عنها اليوم من قِبل الشركات والدول من أجل زيادة الإنتاج، لن تجد مشترين لها بعد خمس سنوات وسيكون هذا الإنتاج الجديد فائضاً.
منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لا تعجبها هذه التوقعات، وهي بالتالي لديها نظرة أكثر تفاؤلاً حول مستقبل النفط.
وهنا يجب أن نتوقف لنسأل: أي الطرفين على حق؟
هناك توقعات وهناك أمنيات، ولا يجب الخلط بينهما. وكلا الطرفين لديه أمنيات، لكن الواقع يفرض نفسه.
نمو السيارات الكهربائية أمر حتمي، ولكنه ليس كما تروّج له الوكالة التي تقول في تقريرها إن الطلب على النفط من قطاع النقل سيبدأ في التباطؤ بعد 2026.
للأمانة، هذه هي المرة الأولى التي لا أجد فيها قيمة كبيرة فيما تقوله الوكالة؛ لأن الواقع الذي شهدناه العام الماضي في أسواق الطاقة كذّب كل توقعاتها؛ إذ لا تزال الدول الأوروبية في حاجة إلى مزيد من النفط والغاز.
إذن، ما الجديد، ولماذا نعيد أنفسنا كل مرة عند الحديث عن هذا الموضوع؟!
لا يوجد أمامنا سوى أمر واحد يمكننا التصديق به، وهو أننا مقبلون على دورة أسعار نفط من المحتمل أن تكون عالية خلال السنوات الخمس المقبلة، وهذا ليس أمنيات، بل واقع تفرضه ظروف الإنتاج في عديد من الدول، مثل الولايات المتحدة، وكندا، والبرازيل وروسيا.
الحقول في كل مكان تتقادم ولن ينقذها سوى زيادة الاستثمارات لرفع إنتاجها. والنفط الصخري لن ينقذ الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.
وسيضطر العالم إلى الاستماع لـ«أوبك» والحاجة إلى نفطها.
أعلم جيداً أن الكثير من مواطني الدول الغربية يتمنون لو أن النفط يختفي وتهيمن الطاقة النظيفة مكانه. ولكن الأمور ليست بهذه البساطة، والنفط ليس عدواً للكوكب، بل المهم كيفية استهلاكه.
الحلول على المدى القريب ليست في نفط أقل، بل في تقنيات أفضل لالتقاط الكربون وخزنه.
أما على المدى البعيد جداً، فقد لا نكون موجودين على هذا الكوكب لنعرف ماذا سيحدث. ما يهمنا هو التأكد دائماً من وجود طاقة رخيصة تدعم نمو حضارة هذا الكوكب وسكانه.