مع المساطيل

لم تعرف مصر النكتة السياسية قبل ثورة يوليو 1952. كان الهدف الأساسي للنكتة بنسبة كبيرة إخوتنا الحشاشين المساطيل ثم المنافقين من المشتغلين بعلوم الدين الذين يوظفونه لخدمة مصالحهم الذاتية ثم العيوب الأخلاقية للبشر. الحشاش بالضرورة في حالة فقدان للوعي. بمعنى أدق الوعي يسيح عنده على اللاوعي، خالقًا بذلك مساحة هائلة تصول فيها النكتة وتجول.
اثنان من المساطيل بعد أن انتهيا من جلسة الحشيش ركبا السيارة، بعد لحظات قال أحدهما محذرًا: حاسب من العمود. فأجاب زميله: شايفه..
غير أن السيارة استمرت على سرعتها في اتجاه العمود بينما ارتفعت تحذيرات الصديق: حاسب العمود.. حاسب العمود.. حاسب العمود.. طاخ واصطدمت السيارة بالعمود فتهشم مقدمها تمامًا. قال الصديق معنفًا: قاعد أقول لك حاسب العمود.. حاسب العمود.. حاسب العمود..
فصرخ فيه زميله: هو أنا اللي سايق يا غبي؟
لا داعي لشرح النكتة لكي لا نفسدها. ننتقل إلى نكتة أخرى. المكان الذي يحشش فيه الناس يسمى بالغرزة وهي في الغالب في منطقة المقابر. وعادة هناك شاب يراقب الطريق العام، ويسمى «الناضورجي» عندما يهجم رجال المباحث يقوم بتحذير الزبائن. وحدث أن هاجم رجال المباحث الغرزة فهرب الزبائن على الفور وتفرقوا بين المقابر. أحد الزبائن وكان نحيلاً جدًا جلس القرفصاء مستندًا لجدار مقبرة فصرخ فيه الضابط قائد الحملة: قوم يا جدع انت.. انت مش كنت بتحشش معاهم في الغرزة؟
فأجاب الرجل: لا والله يا بيه.. ده أنا ميت وطالع أدخل الحمام.
ننتقل لغرزة أخرى. قبل هجوم رجال المباحث بدقائق ألقى الغرزجي بالحشيش بين المقابر ثم وقف إمامًا يصلي بالزبائن. دخل ضابط المباحث واضطر بالطبع للوقوف ساكتًا إلى أن انتهوا من صلاتهم وسأل الغرزجي: كنتم بتعملوا إيه؟
رد الرجل: زي ما شفت حضرتك كنا بنصلي..
فنظر الضابط إلى «منقد» من الفخار ممتلئ بالفحم المشتعل وسأل بهدوء: والنار دي ليه؟
فأجاب الرجل: النار دي للي ما بيصليش يا بيه.
الغريب في عالم الغرزة أنه يضم فئات غير متجانسة، فقد تكون موظفًا يحتل وظيفة محترمة ويكون زميلك في الغرزة يعمل نشالاً مثلاً، كما يمكن في جو الغرزة أن تنشأ صداقة بين قاضٍ والواد بلية المسؤول عن إشعال الفحم. وحدث أن قبض على بلية ووجد نفسه أمام زميله القاضي الذي أصدر عليه حكمًا بالسجن ثلاثة أعوام فصاح: سعادة القاضي.. هو اللي يحشش يتسجن؟
فرد القاضي: اللي يحشش.. ويتمسك يا بلية.
بتقول إيه.. ماضحكتش؟.. أعمل لك إيه؟.. أطلع من الصفحة أزغزغ حضرتك؟