ليس هناك أي منطق رشيد يستطيع أن يقدم تفسيرًا مقنعًا لشخص يخطط لتحويل قطار أو حافلة أو أي مكان مدني تكون فيه حشود من الناس إلى ساحة حرب أحد شروطها أن يكون هذا الشخص هو الوحيد المسلح والبقية مجرد ناس عاديين غير مسلحين وفقًا للمنطق الأعوج لهؤلاء.
ما زالت التحقيقات في بدايتها لمعرفة دوافع ونوايا المسلح المغربي في القطار الذي كان متجها من بلجيكا إلى فرنسا، لكن مما لا شك فيه أن شجاعة الركاب الأميركيين ومعهم بريطاني وفرنسي طوقوا المسلح، أدت إلى تفادي مجزرة كانت ستحتل عناوين الأخبار في الصحف وشاشات التلفزيون لو كان المسلح حقق أغراضه.
ومن خلال الخبرة المكتسبة من أحداث إرهابية سابقة، ومما قالته مصادر الشرطة عن أن هذا الشخص له ارتباطات بمتطرفين وسافر إلى سوريا، فإن هناك نسبة احتمالية كبيرة بأن المشتبه كان يخطط لمذبحة في القطار ضحيتها مسافرون أبرياء، وإلا فلماذا كان يحمل معه كل هذه الأسلحة ويحاول حشو أحدها بالذخيرة.
السؤال المحير هو ما الذي غسل أدمغة شباب كثيرين من أصول ترجع لدول عربية أو إسلامية لاختيار هذا الطريق الدموي العبثي، والسؤال الآخر هو كيف صعد إلى القطار بهذه الأسلحة دون أن يكتشف.
الأكثر أهمية في الحرب على الإرهاب هو السؤال الأول لأنه يتعلق بالعقيدة والآيديولوجيا؛ فهناك جيل من الشباب معظمهم في العشرينات من العمر إما أنهم ولدوا في دول غربية أو عاشوا فيها فترات كبيرة مع عائلاتهم، وسقطوا في فخ الإرهاب، ولم يستطيعوا الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة واتخذوا موقفًا عدائيًا متطرفًا يصل إلى حد تبرير القتل الذي يستهدف مدنيين.
وهو تحدٍ يتعين على العالم التعامل معه لفترة ليست قصيرة، لمعالجة مواطن الخلل الذي أدى إلى هذه الظاهرة، فهؤلاء الشباب وقعوا أسرى لفكر بعض المحرضين، ومعرفتهم بالإسلام ليست كبيرة، فلا توجد شريعة تبرر القتل العشوائي، والإسلام بنى حضارة عظيمة، فهو شريعة نمو وتحضر وسلام.
هؤلاء الشباب الذين تحولوا إلى قنابل بشرية وأدوات قتل عشوائي لم يكن من الممكن أن يصبحوا ألعوبة في أيدي محرضي العنف والقتل، لو لم يكن هناك دور في الطريقة التي نشأوا بها في تحولهم إلى العنف ومقاتلة المجتمعات التي رحبت بهم وبأسرهم.
لقد فشل المسلح هذه المرة بفضل شجاعة رجلي المارينز الأميركيين والمسافرين الآخرين، لكن مسار الأحداث يدل على أنه ستكون هناك محاولات أخرى، فشبكات الإرهاب مثل الجريمة المنظمة، يمكن الوقاية إلى حد كبير من شرورها لكنها ظاهرة مصاحبة للمسيرة الإنسانية مثل الخير والشر.
وفي النهاية فإن الأغلبية الساحقة من البشر تختار الخير في حين أن أقلية هي التي تختار الشر سواء كان ذلك في دوائر الجريمة أو الإرهاب، وقد ثبت مؤخرًا أن هناك تعاونًا بين الاثنين.
لن يتوقف الناس عن ركوب القطارات أو الطائرات أو ارتياد الأماكن العامة، ولن يغيروا طريقة عيشهم بسبب بعض المختلين الذين يريدون إثبات أهميتهم من خلال الإرهاب.
لكن هناك مسؤولية على الحكومات والعائلات في توفير نشأة صحية تحول دون انزلاق هؤلاء الشباب إلى الإرهاب والجريمة وإشعارهم بأن هناك دورًا لهم في المجتمع الذي يعيشون فيه. هناك أيضًا مسؤولية على الحكومات والدول في وقف هذا الطفح الإرهابي من نقاط الصراع في الشرق الأوسط، فلا يمكن ترك هذه البؤر سواء كان ذلك في سوريا أو العراق وليبيا كمرتع لإرهابيين وجدوا في الفوضى بيئة مناسبة، والأدهى أن تنظيمات متطرفة تطرح نفسها كبديل سياسي، وهو ما ينطبق عليه المثل القائل شر البلية ما يضحك.
8:2 دقيقه
TT
مسافر في القطار
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة