جوش روغين
صحفي أميركي
TT

قدامى المحاربين في العراق يعارضون الاتفاق النووي

تطلق مجموعة من قدامى المحاربين الأميركيين في العراق حملة لجمع مليون دولار بهدف معارضة اتفاق الرئيس أوباما مع إيران، في محاولة لمواجهة حجة الرئيس الأميركي الدافعة بأن أولئك المعارضين للاتفاق يؤيدون قرار الحرب.
صرح أوباما مؤخرًا بأن هناك معسكرين، هؤلاء الذين يؤيدون الاتفاق، وأولئك الذين يفضلون الحرب الدموية المكلفة على غرار الصراع الدائر في العراق الآن. ومن شأن الحملة الإعلانية المذكورة أن تزيد من تعقيد الموقف، مؤكدة أن الاتفاق النووي ذاته سوف يؤدي إلى المزيد من الحروب. كما أن الأصوات المؤيدة لتلك القضية لا يفضلون الحرب بحال، بل إنهم الجنود الذين خاضوا الحروب من قبل ونالوا منها ما يكفي.
تأسست المجموعة المعروفة باسم «قدامى المحاربين ضد الاتفاق» في الشهر الماضي بموجب المادة (501 ج 4) الخاصة بالمنظمات غير الربحية، كما أنها لا تفصح عن هويات الجهات المانحة فيها. وتشتمل الحملة الوطنية على إعلانات تلفزيونية في الولايات التي لم يحزم نواب الكونغرس فيها أمرهم حيال الاتفاق النووي مع إيران. وسيصوت المشرعون بالكونغرس على ذلك الاتفاق في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
أول مقطع من مقاطع الفيديو الخاصة بالمجموعة يعرض الرقيب المتقاعد روبرت بارتليت، الذي تعرض لإصابات بالغة جراء قنبلة إيرانية أثناء خدمته في العراق عام 2005، حيث يقول: «لن يفر كل سياسي ضالع في ذلك الأمر من المسؤولية، ولسوف تكون أيديهم ملطخة بكثير من الدماء. إن التصويت لصالح ذلك الاتفاق يعني المزيد من الأموال لدعم الإرهاب الإيراني. ما ظنكم بما سوف يفعله الإيرانيون إذا ما حصلوا على كل تلك الأموال؟».
من المتوقع أن يذاع أول إعلانات المجموعة في ولاية مونتانا، ويستهدف النائب الديمقراطي جون تيستر. وسوف تذاع الإعلانات التالية في ولايتي نورث داكوتا، وويست فيرجينيا، وغيرهما من الولايات، كما تقوم المجموعة بإرسال قدامى المحاربين للحديث في مختلف الفعاليات في الولايات الرئيسية.
أخبرني مايكل بريغنت، المدير التنفيذي للحملة ومستشار الاستخبارات السابق للجنرال ديفيد بترايوس والجنرال راي أوديرنو، الذي خدم في العراق: «إننا نستهدف أولئك الذين لا يزالون على الحياد. وحجتنا الرئيسية أن قدامى المحاربين يعرفون إيران أفضل من الساسة في العاصمة واشنطن. وهناك كثير من قدامى المحاربين ممن يشعرون بسخط عارم على ذلك الاتفاق. ولذلك هدفنا هو استقطاب تلك الأصوات المحايدة لصفنا والتأكيد على استماع الآخرين لهم».
لا تتمحور الحملة في واقع الأمر حول القضية النووية، ولكنها تركز على التهديد الفوري الأكثر إلحاحًا: عندما تحصل إيران على أكثر من مائة مليار دولار من أصولها المجمدة لدى الغرب إثر رفع العقوبات الاقتصادية عنها، يمكنها استخدام تلك الأموال في دعم أنشطتها المشينة في كل أرجاء المنطقة. ولقد شهد كبار المسؤولين، ومن بينهم الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، بأنه من المرجح لإيران أن تستخدم بعض تلك الأموال المفرج عنها في تمويل العنف في مناطق مثل العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان. ووفقًا للجنرال ديمبسي، كانت إيران مسؤولة وبشكل مباشر عن مقتل ما لا يقل عن 500 فرد من الجنود الأميركيين خلال حرب العراق.
صرحت إدارة الرئيس أوباما بأن الاتفاق النووي منفصل ومستقل عن سوء التصرفات الإيرانية في المنطقة. كما أن المسؤولين لا يعولون على أي تغير إيجابي في سلوكيات إيران في الخارج، على الرغم من تصريحات أوباما التي تفيد بأنه يأمل في أن تنتهج إيران سلوكيات معتدلة في المرحلة المقبلة. كما أعلن الرئيس أن أغلب الأموال الإيرانية في الخارج سوف تذهب لجهود إصلاح الاقتصاد الإيراني.
وصرح الرئيس الأميركي في خطابه أمام الجامعة الأميركية مؤخرا، قائلاً إن «أولئك المعارضين للاتفاق مع إيران كانوا الأشخاص أنفسهم الذين أيدوا خوض الحرب ضد العراق في عام 2003»، في إشارة ضمنية تفيد بأن المعارضين للاتفاق يأملون في اتخاذ مسار مماثل مع إيران الآن. كما أضاف الرئيس أن المتشددين الإيرانيين يقفون على جانب واحد مع المعارضين داخل الكونغرس؛ مما أدى بكبار زعماء الحزب الجمهوري، مثل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، لأن يدعو الرئيس للتخفيف من لهجته حالما يتهم المعارضين للاتفاق بأنهم من دعاة الحرب والدمار.
يقول بريغنت إن حملته الإعلانية سوف تظهر أن الجنود الأميركيين الذين كانوا ضحايا للقنابل الإيرانية خلال حرب العراق لا يميلون للتحالف مع المتشددين الإيرانيين حاليًا. ولقد جندت المجموعة المذكورة أفرادًا من الجنود الأميركيين الذين وقعوا ضحية للهجمات التي نالت ثكنات مشاة البحرية الأميركية في بيروت، وأسفرت عن مقتل 241 جنديًا أميركيًا لقوا حتفهم على يد قوات تنظيم حزب الله المدعوم من إيران. كما سوف تعكس جهود المجموعة كذلك آباء وأطفال المجندين الذين تعرضوا للقتل خلال حرب العراق.
يتابع بريغنت قائلاً: «هل يُدرجون على قائمة أولئك المتحالفين مع المتشددين في إيران فقط لأنهم يعارضون ذلك الاتفاق؟».
لقد أخبرني بريغنت أن الجهات المانحة للمجموعة تضم نوابًا من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وقدامى المحاربين الذين يعارضون الاتفاق. ويشتمل مجلس إدارة المجموعة على بريغنت، والمقدم المتقاعد بمشاة البحرية بريان سانشيز، والعقيد المتقاعد بمشاة البحرية ستيفن روب، والمحارب القديم في العراق بيت هيغسيث، ورئيس مجموعة «قدامى المحاربين لأجل أميركا».
يقول بريغنت: «لا نريد أن نجعل منها مسألة حزبية. سوف يكون لدينا محاربون قدماء من الحزب الديمقراطي من الذين صوتوا لأوباما في انتخابات الرئاسة ويشاركون في ذلك المجهود أيضًا». وأضاف أن «المحاربين القدماء وأسرهم من المشاركين في ذلك المجهود، لا يتحركون إلا من واقع خبراتهم وتجاربهم وآرائهم الخاصة».
وتابع بريغنت قائلاً: «يريد أولئك الناس أن يستمع الآخرون إليهم. إنهم يعرفون العدو جيدًا. ولديهم تذكرة دائمة ومستمرة حيال الخسائر بسبب إيران. وإذا ما سألني أحدهم ألا تعمل على استغلال أولئك المحاربين القدماء وأسرهم؟ فأقول: كلا، أتتجاهل أنت أولئك المحاربين القدماء وأسرهم؟». يعمل الجنرال المتقاعد مايكل فلين، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الفترة ما بين عامي 2012 و2014، مستشارًا للمجموعة. وقال إن «الجنود وبشكل عام لا يمكن اعتبارهم من دعاة الحرب على العراق، ولكنهم جرى استدعاؤهم بكل بساطة للخدمة العسكرية ولقد أدوا واجبهم. ولكن الآن، صار كثير من أولئك الأفراد من المحاربين القدماء، ولديهم رأي يريدون التعبير عنه». وأضاف الجنرال فلين: «لديهم كل الحق وكل المسؤولية للتعبير عن رأيهم».
تتضاءل تلك الحملة الجديدة من حيث الحجم والنطاق مقارنة ببعض الجهود الأخرى للتأثير على حالة الجدال الدائرة حول الاتفاق مع إيران. فلقد دعت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك) عشرات الملايين لمعارضة الاتفاق، ولقد دعت المجموعات المؤيدة للاتفاق هي الأخرى عدة ملايين لإقناع المشرعين في الكونغرس بتأييد الاتفاق. غير أن تلك الجهود جميعها كانت تتركز بشكل واسع على المسائل الفنية بالاتفاق، ويمكن لتلك المجموعة الجديدة أن تكون قوية بشكل مميز، لأنها تركز على النزعة الإنسانية بالقضية.
يواصل الرئيس أوباما محاولاته لتأطير قرار المشرعين بالكونغرس من حيث وقوع الحرب مع إيران من دون الاتفاق وشيوع السلام معها بتأييد الاتفاق. ومن شأن الحملة الإعلانية الجديدة أن تزيد من صعوبة ذلك الطرح، حيث تركز على المحاربين القدماء الذين يعارضون الاتفاق ولا يؤيدون شن الحرب، والذين يعتقدون في واقع الأمر بأن الاتفاق سوف يؤدي للمزيد من الحروب وليس التقليل منها.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»