د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الحِقد: «متلازمة البَعِير»

يروي سكان الجزيرة العربية قصصاً كثيرة عن حقد البعير! منها أنك إذا ما عنّفته أو ضربته فسوف يلقّنك درساً لن تنساه، بضربة موجعة، ولو بعد سنوات طويلة. فهو يحقد كما يحق لسائر البشر الذين يصابون أيضاً «بمتلازمة البعارين»، كما تحلو لي تسميتها! ولذلك تقول العرب فلان «أحَقَدْ من جَمَل».
ولا تحتكر الجِمال الحقدَ؛ فالحقد أنواع، فهناك ما هو فردي، و ما هو مؤسسي، و ما هو دولي. والمؤسسي كل ما يدور في دائرة التنافس والتقاتل على الحصة السوقية. ومن البلدان من لا يسرها أن ترى شعوباً تتقلب في النعيم، ولا يسرها رؤية التفاف شعب مخلص حول قادته.
والحقد أسوأ أمراض القلوب، وتتجلى ذروة قبحه عندما يتسلل إلى بيئات العمل. فإذا شعر به المدير تجاه مرؤوسيه فلن تقوم لهم قائمة. والمدير الحقود مشكلته مضاعَفة، الأولى أنه في مرتبة أعلى والثانية أن الأصل في عمله تذليل طريق التألق والتفاني لموظفيه، فبهم يرتقي. ولأن العمل ميدان تنافس تستعر فيه نيران الحقد.
الحقد هو الغل الشديد، بينما الحسد تمني زوال النعمة من المحسود، غير أن الغبطة ألطف أنواع الحسد لأن صاحبها لا يرجو زوال نعمة. والحقود يضمر الشر «للمحقود عليه» إذا لم يتمكن من الانتقام منه. ولذلك فإن الحقد يُعمي، ويَحجب الحقوق، ويُشخصن المواجهات، ويُشعل نيران الفتنة. و«ما أسرَّ أحدٌ سريرة إلا أظهرها الله عز وجل على صفحات وجهه وفلتات لسانه»، كما قال عثمان (رضي الله عنه).
مشكلة الحقد أنه ينشأ من عدم المقدرة على الانتقام، أو حينما يفشل المرء في الدفاع عن نفسه. وأخطر أنواع الحقد، ما ينتج عن مسؤول متسلط؛ فوأد الآراء أو معاداتها يؤجج الحقد في نفوس من حوله. وما أكثر من كانت عاقبتهم وخيمة بسبب التهاون بمشاعر حقد. ولا يحتاج اكتشاف الحقود إلى حاسة سادسة. فلسان حاله وصفه مارك توين عندما قال: «اثنان يهتمان بأدق تفاصيلك: شديد الحب وشديد الحقد».
ومن الحلول للتعامل مع الحقود أن نسأله عن آرائه، ونحاول الأخذ بأحسنها. ونتراجع تارةً نزولاً على رغباته، لعلّ وعسى. غير أن بعض الأحقاد متأصل في نفوس البعض يصعب الفكاك من ركامها. والسؤال هو: لماذا يراكم المرء الحقدَ، إذا ما كانت المشكلة مشاعر مزعجة عابرة، «فظاهر العتاب خير من باطن الحقد» كما يقال؟
خلاصة القول إن الحقد داءٌ دفين، ودليل على شيء من الوضاعة. ولذلك قال الشاعر عنترة بن شداد: لا يحملُ الحقد من تعلو به الرتبُ. وقال جان جاك رسو إن «الحقد آخر مراحل الفشل».