د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

اشتراكات وسائل التواصل الاجتماعي

حين استحوذ إيلون ماسك على «تويتر» نهاية العام الماضي، كانت أولى خطواته هي إطلاق خدمة الاشتراكات في «تويتر»، وهي خدمة للتوثيق كانت تعطى بشكل مجاني في السابق بحسب شروط معينة. وقد واجه ماسك عاصفة من الانتقادات حينها ممن استهجنوا الدفع لتوثيق حساباتهم، ولكن ماسك مضى قُدُماً في هذا الأمر، واليوم يدفع من يريد التوثيق ما بين 8 و11 دولاراً لتوثيق حسابه في «تويتر». لم يكن «تويتر» أول من أسس للاشتراكات في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد سبقه بذلك «لينكدان» بسنوات للحصول على خدمات مثل إرسال الرسائل مباشرة لأي مستخدم، أو غيرها من الخدمات. ويبدو الآن أن وسائل التواصل الاجتماعي متجهة نحو إطلاق الاشتراكات للعديد من خدماتها، كان آخرها شركة «ميتا» التي أطلقت الاشتراكات لـ«إنستغرام»، وتخطط كذلك لإطلاق الاشتراكات لـ«فيسبوك»، كذلك تدرس «تيك توك» تقديم منافع إضافية تقدم للمشتركين في الحسابات المدفوعة.
ما حدث للشركات التقنية خلال العامين الماضيين دفعها للتفكير في تقديم الخدمات المدفوعة عن طريق الاشتراكات، وقد كان واضحاً من أسلوب ماسك بعد استحواذه على «تويتر» أن الأمر لا يتعلق باستغلال المستخدمين، بل لضرورة مالية، وقد أكد ذلك المالك السابق لـ«تويتر» في تصريحه هذا العام بأن «تويتر» سبق لها أن واجهت الإفلاس في السابق. وشركات التواصل الاجتماعي عانت الأمرّين خلال الفترة الأخيرة، فخسرت «سناب تشات» نحو 90 في المائة من قيمتها السوقية منذ وصول سهمها إلى قمته، وخسرت «ميتا» نحو 60 في المائة من سعر سهمها. ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين: أولهما هو حالة الاقتصاد العالمي الذي يجابه تضخماً تاريخياً، وحرباً عسكرية لا يمكن التنبؤ بنهايتها، وقد خرج للتو من جائحة لم يتعافَ منها حتى الآن. أما السبب الثاني فهو سياسة شركة «أبل» الجديدة والتي دعّمت خصوصية المستخدم بمنع الشركات من تتبع الإعلانات في هواتفها الذكية، وهو ما قلل من فاعلية الإعلانات الموجهة والتي كانت تستهدف المستهلكين بحسب سلوكهم وتفضيلاتهم للمنتجات. وقد شهدت العوائد الإعلانية للشركات انخفاضاً رهيباً خلال العامين الماضيين، بعد أكثر من عقد من الارتفاع المستمر في العوائد الإعلانية، وصل هذا الانخفاض إلى نحو 50 في المائة لـ«ميتا»، ونحو 60 في المائة لـ«سناب تشات».
وشركات التواصل الاجتماعي، بما تملكه من باع طويل في معرفة سلوك المستهلك، تطمع في جلب أكبر قدر ممكن من المشتركين، وفي سبيل تحقيقها لذلك، فهي تملك ثلاثة أساليب تمكّنها من ذلك: الأول هو جذب المستهلكين بتقليل أو إيقاف الإعلانات المعروضة لهم، وقد نجحت «يوتيوب» في خدماتها المدفوعة من خلال إيقاف عرض الإعلانات للمشتركين في «يوتيوب برايم». كما استخدمت «نت فليكس» أسلوباً مشابهاً، وذلك بتقديم اشتراكات ذات سعر أقل مقابل مشاهدة لإعلانات قبل عرض المحتوى.
الأسلوب الثاني، أو الحبل الثاني، الذي تلعب عليه شركات التواصل الاجتماعي، هو التوثيق والأمان، وقد أثبتت «تويتر» فاعلية هذا الأسلوب؛ إذ يُقدر عدد المشتركين في خدمة «تويتر بلو» خلال الأشهر القليلة الماضية بنحو 300 ألف مشترك. وتهدف الشركات من خلال هذا الأسلوب إلى بعث الطمأنينة في قلوب المشتركين أن حساباتهم غير قابلة للسرقة أو الاستغلال، وأن هويتهم لا يمكن تزويرها. ويبدو أن «ميتا» قد تستخدم هذا الأسلوب، وقد أشارت تقارير إلى أن «ميتا» قد تستند إلى الهويّات الحكومية في توثيق حسابات المشتركين.
أما الأسلوب الثالث فهو الميزات والخصائص الإضافية التي تقدم للمشتركين، وقد قدّمت «سناب تشات» أمثلة على هذا الأسلوب من خلال خدمة «سناب تشات بلس»، مثل معرفة عدد مرات مشاهدة القصة اليومية لكل متابع، وإعطاء المشتركين فرصة تجربة المميزات الجديدة قبل غير المشتركين. ويختلف هذا الأسلوب من شركة إلى أخرى، ولكنه يعتمد بشكل أو بآخر إعطاء حصريّة معينة للمشتركين تميّزهم على غير المشتركين، والعارف بسلوك مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يقدّر تأثير هذا الأسلوب على المستخدمين.
ويبدو أن شركات التواصل الاجتماعي قد تنتهج هذا النهج في المستقبل القريب، بطرح ميزات إضافية للمشتركين مهما تعددت الأساليب، ولكن هذه الاشتراكات لا يمكن أن تكون بديلاً عن الإعلانات بأي حال من الأحوال، فعدد المشتركين لا يمكن أن يقارن بعدد المستخدمين. على سبيل المثال، وصل عدد مشتركي «سناب تشات بلس» لنحو 2.5 مليون مشترك، وهو أقل من 1 في المائة من المستخدمين اليوميين للتطبيق البالغ عددهم 375 مليون مستخدم. وعوائد الاشتراك قد لا تزيد على 120 مليون دولار، وهو أقل من 3 في المائة من العوائد الإجمالية للشركة؛ أي إن هذه الاشتراكات قد تكون وسيلة لزيادة عوائد الشركة، وهي وإن لاقت ترحيباً من بعض المستخدمين، فإنها لن تكون الحل لانخفاض العوائد الإعلانية لشركات التواصل الاجتماعي.