شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

عقبات كبيرة أمام إردوغان للمصالحة مع الأسد

ركزت التكهنات في الأسابيع الأخيرة على ما إذا كانت تركيا باتت قريبة من تحقيق إعادة التعاون والتطبيع مع نظام بشار الأسد في سوريا.
وكانت القمة التي عقدت في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول)، التي ضمت قادة الجيش والاستخبارات السوريين والأتراك، قد شكلت في حد ذاتها أكبر تطور في الاتصال عالي المستوى بين الحكومتين منذ عام 2011. ووُصفت تلك المحادثات بأنها «بناءة». وفي غضون أيام، زعمت تقارير إعلامية أن ثمة خططاً جارية بالفعل لعقد اجتماع لوزيري خارجية البلدين في منتصف يناير (كانون ثاني) الجاري، والهدف من هذه الخطوة تمهيد الطريق لعقد اجتماع رئاسي بعد ذلك بوقت قصير.
على السطح، تشكّل هذه الموجة الأخيرة من التواصل مع نظام الأسد تطوراً كبيراً في الأزمة السورية المستمرة منذ ما يقرب من 12 عاماً. وباعتبارها الداعم والضامن الوحيد المتبقي للمعارضة السورية المدنية والسياسية والمسلحة، فإن إعادة التعاون التركي مع دمشق من شأنه أن يغير قواعد اللعبة.
الشيء الذي تغير مؤخراً هو الانتخابات التركية الوشيكة المقرر إجراؤها في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) من العام الجاري. وأظهرت استطلاعات الرأي أن الضغوط المتصورة التي يفرضها وجود اللاجئين السوريين على الشعب والاقتصاد التركيين تأتي على رأس القضايا المؤثرة على نتيجة الانتخابات. وفي ظل معاناة الأتراك من آثار معدل التضخم البالغ نحو 90 في المائة، تحولوا للتعامل مع اللاجئين ككبش فداء.
إن حقيقة أن إردوغان يعكس مثل هذه المشاعر اليوم ليس بالأمر المثير للاستغراب. ومن غير المستغرب كذلك أن تكون الوسيلة الجوهرية في فعله ذلك دخوله في مواجهة مع «حزب العمال الكردستاني». ويسعى إردوغان إلى التوغل مجدداً في شمال شرق سوريا ضد «قوات سوريا الديمقراطية»، مع التركيز على مدن كوباني ومنبج وتل رفعت. وحتى الآن، يبدو أن رفض روسيا إعطاء الضوء الأخضر لمثل هذه العملية قد أوقف خطط إردوغان. ولكن، في الاجتماع الذي عقد في موسكو، كان هذا هو الموضوع الذي استحوذ على الحيز الأكبر من تركيز وزير الدفاع التركي خلوصي آكار.
وبالمثل، يمكن التنبؤ بدور روسيا كمُيسّر للاتصالات، نظراً للعلاقة المترابطة والمعقدة بشكل فريد بين موسكو وأنقرة فيما يخص سوريا وغيرها من القضايا. ومع استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا وما تبعها من كوارث بسبب المساعدات الكثيفة التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى كييف، يهدف بوتين إلى دق إسفين بين تركيا والغرب وتوجيه ضربة استراتيجية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما قد يجبر الولايات المتحدة على الانسحاب العسكري من سوريا. لذلك يبدو أن روسيا تقدم «جزرة» مناهضة «قوات سوريا الديمقراطية» لإردوغان، كشرط لتطبيع العلاقات مع الأسد. وإذا نجحت روسيا في قلب الموقف التركي تجاه سوريا، فإن التأثيرات غير المباشرة قد تعقد أيضاً الدور المفيد في الغالب الذي لعبته تركيا في أزمة حرب أوكرانيا، ما يزيد صعوبة الحسابات الجيوسياسية التي تميل حالياً لصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وعلى الرغم من الموجة الأخيرة من التقارير الإعلامية والبيانات العلنية العديدة الصادرة عن أنقرة، علينا أن نأخذ نفساً عميقاً قبل أن نتبنى منظوراً محدداً. فقرار الحكومة التركية المشاركة في قمة موسكو والتحدث بصراحة عن التعاون مع نظام الأسد ليس مفاجئاً تماماً، ولا يمثل تغييراً كاملاً في السياسة التركية. فهو مجرد رفع لمستوى السياسة الحالية.
في الواقع، تغيرت سياسة تركيا تجاه سوريا بشكل حاسم في منتصف عام 2016، عندما تخلى الرئيس إردوغان عن هدف إطاحة الأسد، وأعطى الأولوية لمكافحة الإرهاب وأمن الحدود بدلاً من ذلك، ولم تخفِ تركيا تغيير سياستها.
ولتوقيت التطورات الأخيرة علاقة بالمشهد السياسي داخل تركيا، وليس بسوريا في حد ذاتها. ففي حين أن بوتين والأسد سيكونان سعيدين بطبيعة الحال، فإن الانتخابات التركية الوشيكة والمنافسة الشديدة بين «حزب العدالة والتنمية» الذي يتزعمه إردوغان وكتلة المعارضة التي يقودها «حزب الشعب الجمهوري»، تعني أن جميع الأطراف الثلاثة تشترك الآن في مصلحة مؤقتة في تغيير نبرة الخطاب العام. لكن، في حال جرى الكشف عن انفتاح باتجاه تقارب تركي كامل مع دمشق، فسوف يستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير من بضعة أشهر قبل أن يتحقق ذلك، إذ إن العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق شامل مرهقة للغاية. ففي جميع الاحتمالات، يدرك إردوغان ذلك جيداً، ويبدو مستعداً لهذا الأمر على طول الخط.
وفيما يخص العقبات، فإن قضية اللاجئين هي الأكثر أهمية. فإذا افترضنا أن إردوغان هو الدافع الأساسي لإعادة التعاون مع نظام الأسد، من خلال الحاجة المتصورة لتحقيق عودة واسعة النطاق للاجئين السوريين إلى سوريا، فإن المرء يواجه الواقع الذي لا مفر منه وهو أن 3.5 مليون سوري في تركيا فروا من سوريا خوفاً من النظام، وفكرة أن المصالحة التركية السورية ستخلق ظروفاً يعود فيها السوريون إلى سوريا في ظل نظام الأسد الذي أعيد تمكينه بالكامل، هي ضرب من ضروب الخيال.
كما أن احتمال التوصل إلى اتفاق هادف يغير قواعد اللعبة بين تركيا ونظام الأسد يبدأ في الانهيار، عندما ينظر المرء إلى الأولوية الأخرى لدى أنقرة، المتمثلة في مواجهة «حزب العمال الكردستاني». وتكمن المشكلة هنا في أن الشرط الأساسي لنظام الأسد للتعاون مع تركيا كان ولا يزال، منذ فترة طويلة، هو الانسحاب العسكري التركي من سوريا. إن تركيز تركيا الشديد على جعل دمشق تنقلب بقوة ضد «قوات سوريا الديمقراطية» من خلال عدسة «مكافحة الإرهاب» يتعرض للتقويض أكثر من خلال مطلب الأسد المضاد المتمثل في تصنيف تركيا جميع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء شمال غرب سوريا على أنها منظمات إرهابية، ومعاملة المنطقة الشمالية الغربية على أنها «منطقة إرهابية».
ولهذه الأسباب، فإن السؤال الأول لتركيا هنا المتعلق بالتوغل التركي، أو حملة القمع ضد «قوات سوريا الديمقراطية»، لا يبدو واقعياً بحال. فإذا كانت أنقرة مستعدة لقبول هذه الحقيقة الصعبة، فإن التدخل الأحادي الجانب في «كوباني» أو «تل رفعت» أو «منبج»، أو فيها جميعاً، سينهي على الفور مسار إعادة التعاون مع دمشق، وبالتالي إضعاف وضع إردوغان الانتخابي في الداخل.
في نهاية المطاف، يمثل الارتفاع الأخير في مستوى الاتصال بين تركيا ونظام الأسد المرحلة الأخيرة من عملية طويلة، بدأت في منتصف عام 2016. ولم يكن التنامي اللاحق في التكهنات حول إطار الصفقة الكبرى واحتمالات حدوث تحول شامل في موقف تركيا في سوريا مدفوعاً بالحقائق أو المنطق، بل باهتمام جميع الجهات الفاعلة المعنية على المدى القريب بتقديم تصور لتغيير كبير.
يتصرف إردوغان بدافع مصلحته الذاتية، وروسيا تتصرف من منطلق انتهازي، والأسد سيواصل اللعب متمتعاً بإحساس الأمان بعد أن بات خيار رحيله مستبعداً. فقد أوضح النظام في الأيام الأخيرة أنه ليست لديه مصلحة في منح إردوغان أي امتيازات انتخابية، وأن أي تقدم في الحوار سيعتمد على انسحاب تركي كامل من سوريا.
في النهاية، فإن العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق لتغيير قواعد اللعبة تبدو هائلة، ولا يمكن التغلب عليها في غضون بضعة أشهر.