علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

الشيوعي المستخفي

كنتُ قد قلتُ في خاتمة مقال (خطأ ألمعي) – وأنا أتحدَّثُ عن رواية أحمد حسن الباقوري في كتاب (ثائر تحت العمامة) وكتاب (بقايا ذكريات) عن سبب إقالته من وزارة الأوقاف وسبب سجن محمود محمد شاكر الأول: هناك مصدر آخر روى السبب رواية متسقة، مما جعلها رواية موثوقة.
وكنت أعني بهذا المصدر، كتاب ثروت عكاشة (مذكراتي في السياسة والثقافة).
يقول ثروت عكاشة في هذا الكتاب: «وبمناسبة ذكر مصلحة الفنون وأديبنا يحيى حقي، ولم يكن قد مضى على تعييني وزيراً أكثر من شهرين، اتصل بي سكرتير رئيس الجمهورية يدعوني إلى لقاء عاجل مع الرئيس الذي ما إن لقيته حتى طلب مني الاستماع إلى شريط صوتي مسجل لمجموعة من الأشخاص انهالوا على شخص الرئيس بالشتائم البذيئة، ناعتين إياه بأحط النعات. وسألته مندهشاً عمّن يكونون، فذكر لي اسم أحد الوزراء واسم أديب رائد مرموق، وأنه استغنى عن خدمات الوزير وأمر باعتقال الأديب الشيخ. ولما سألته عن الغرض من دعوتي للاستماع إلى ذلك التسجيل، قال إن يحيى حقي رئيس مصلحة الفنون كان موجوداً معهما ويتعين إحالته على المعاش، فبادرته بقولي: لكن من الواضح من الشريط الصوتي أنه لم يشارك في هذا السباب، وهو مشهود له بعفة اللسان ودماثة الخلق، فضلاً عن أنه أديب مرموق ومحبوب، ومجازاته ظلماً على هذا النحو سيكون لها أثر سيئ في أوساط المثقفين والعامة على السواء.
فقال: ولكنه كان موجوداً معهم ولم يعترض وهذا يكفي، فناشدته أن يترك الأمر لي لأعالجه بأسلوب مناسب فوافق مقتنعاً بعد إلحاح.
والحق أني احترت وشعرت بالحرج، كيف أواجه الأستاذ يحيى حقي بتنحيته عن إدارة مصلحة الفنون، وهو المدير الناجح مخفياً عنه في الوقت نفسه ما دار بين الرئيس جمال عبد الناصر وبيني بشأنه. ولما كانت وزارة الثقافة ما زالت في بداية عهدها تغص بعاملين منقولين من وزارة التربية والتعليم وليست لهم دراية بأعمال وزارة الثقافة الوليدة، ولما كانت بصدد إنشاء مركز تدريب لهؤلاء العاملين، ولم أكن قد اهتديت بعد إلى مَن أسند إليه مثل هذا العمل الشاق والحساس، هداني تفكيري إلى أن أفاتح الأستاذ يحيى حقي على استحياء راجياً منه قبول هذا التكليف، كما أسندت إليه إلى جوار ذلك منصباً ملحوظاً بدار الكتب ثم رئاسة تحرير مجلة (المجلة) حتى لا يشعر بغربة عن عالمه في مجال الفكر والأدب والفن، فقبل مني ما عرضت عليه بدماثته المعهودة».
ثم يختم روايته بكلام نفيس في الحكمة وفي بُعد النظر السياسي، فيقول: «أروي هذه الواقعة لأصل إلى تأملي فيما وقع من مبدئه إلى منتهاه. وأنا بطبيعة الحال أرفض بذاءة القول للتعبير عن الاختلاف في الرأي، ولكني أدركت من ناحية أن التجسس على الوزراء وإحصاء تحركاتهم وسكناتهم وأسرارهم الشخصية داخل بيوتهم، قد اتصفت بالمساواة مع التجسس على المجرمين والخارجين عن القانون، فكلهم في هذا سواء. وكان هذا درساً وعيته كوزير حديث العهد بالمنصب».
في مجلة (الهلال) عدد مارس (آذار) 2004، كتب عبد الرحمن شاكر مقالاً عنوانه (مرارة محمود شاكر في حلوق الجميع اليوم)، يرد فيه على مقال نشر في جريدة (القاهرة) في 3 فبراير (شباط) 2004 تحت عنوان (حسين أحمد أمين يكتب عن شيخ محققي التراث العربي) – وهو مقاله عن محمود محمد شاكر الذي أعاد نشره للمرة الخامسة في هذه الجريدة – ويرد على مقال آخر لمحمد محمود عبد الرازق عن محمود محمد شاكر نشر فيها بتاريخ 10 فبراير من ذلك العام.
يقول عبد الرحمن شاكر في هذا المقال عن عمِّه: «وهذه المعرفة هي التي جعلت أستاذه طه حسين الذي اختلف معه في مقتبل العمر، يوعز إلى الوزير السابق المرحوم الشيخ أحمد حسن الباقوري، أيام كان صديقاً للأستاذ شاكر، بأن يتقدم بسجل إنتاجه إلى مجمع اللغة العربية ففعل، واختير بعدها عضواً بالمجمع».
الشاهد في مقاله هو قوله عن الباقوري: «أيام كان صديقاً للأستاذ شاكر»، أما باقي ما قاله، فلنا أن ندرجه في فوات ذاكرة المسنِّين. فلقد كتب مقاله وقد جاوز سن السبعين. فطه حسين توفي عام 1973، ومحمود شاكر انتخب عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية عام 1983، بعد أن خلا مقعد الدكتور أحمد بدوي، أستاذ التاريخ والآثار المصرية، في هذا المجمع بعد وفاته عام 1980.
ومن ذلك الشاهد نعلم أن عُرى الصداقة بين الباقوري وشاكر انفصمت بسبب الواقعة التي أقالت الباقوري من الوزارة وقذفت بشاكر إلى السجن.
فلولا لم تنفصم عرى الصداقة بينهما لما باح الباقوري بسبب إقالته وسبب سجن شاكر الأول في سيرته الذاتية التي رواها في البداية لنعم الباز في مجلة (آخر ساعة) في منتصف الثمانينات الميلادية، ثم كتبها بنفسه في كتاب (بقايا ذكريات). وكان قبلها قد نشره مسلسلاً في جريدة (المسلمون).
ولقد مر بنا في مقال (خطأ ألمعي) أن نسيم مجلِّي في كتابه (صِدام الأصالة والمعاصرة بين محمود شاكر ولويس عوض) وقبله عايدة الشريف في كتابها (محمود محمد شاكر: قصة قلم) قد نقلا من مساهمة عبد الرحمن شاكر في الكتاب التكريمي عن عمه (دراسات عربية وإسلامية: مهداة إلى أديب العربية الكبير بمناسبة بلوغه السبعين) سبب انقلاب موقفه من الضباط الأحرار بعد تأييد حماسي لهم إلى معارضتهم وسبب سجنه الأول من دون التحقق من صحتهما.
فمساهمته التي جاءت تحت عنوان (الحرية.... والثورة الحضارية) كان ينقصها الوضوح في الحديث عن نفسه وعن سبب انقلاب عمه على الضباط الأحرار وعن سبب سجن عمه الأول وعن سبب سجنه الثاني.
لنبدأ من حديثه عن نفسه.
يقول: «وكان أن ذهبت أتأمل الرجل (يقصد بالرجل الملك فاروق) الذي مدحته، حتى وجدتني بعد سنوات قلائل ثائراً عليه، أشترك في المظاهرات التي تقوم ضده وأعمل في الجمعيات السرية العاملة على إزالة سلطانه، حتى أفصل أحياناً من المدارس وأساق إلى السجن في عهده الذي مضى».
ويقول: «ذهبت إليه – في ظل تأمل ما خلق الله - منتمياً إلى إحدى الجماعات الدينية، فارتضى أشياء ولم ترضه أخرى، أهمها حكاية السمع والطاعة لأحد من خلق الله، في ظل حماسة تنقصها الروية والنظر، وتحصيل العلم بأمور ديننا ودنيانا الذي هو أساس كل عمل صالح».
ويقول: «وكان إن ذهبت إليه مرة أخرى – بعدها بفترة – في صورة من الفكر السياسي مناقضة تماماً لما كنت عليه، ودخلت معه في مجادلات لا آخر لها، فيها كل ما يخالف رأيه وعقيدته وعلمه ولكن ذلك لم يغضبه».
قبل أن أوضح ما يعنيه بـ(الجمعيات السرية) و(إحدى الجمعيات الدينية) و(صورة من الفكر السياسي مناقضة تماماً لما كنت عليه) عليّ أن أوضح ما مقصوده بالجملة الاعتراضية: في ظل تأمل خلق الله.
هذه الجملة وردت في رسالة أرسلها له عمه محمود شاكر لما بعث له قصيدة كتبها في أوائل الأربعينات، وكان عمره آنذاك اثني عشر عاماً ونشرتها له جريدة محلية كانت تصدر في إحدى مدن صعيد مصر.
القصيدة كتبها في مدح الملك فاروق بعد نشر جريدة (الأهرام) بتاريخ 20/8/1944، قصة جمل فرَّ من الذبح تحت عنوان (جمل يهرب من المجزر ويلجأ إلى قصر عابدين!.. جلالة الملك يأمر بشرائه وعدم ذبحه).
قال له عمه في رسالته إليه: «أما عن الصياغة فقد أعجبتني إن كانت لك غير مستعين بأحد. وأما عن الموضوع، فإن مهمة الشاعر أن يتأمل خلق الله، لا أن يستعبد نفسه ويستذلها لما خلق الله».
يعني بـ(الجمعيات السرية) التنظيمات الشيوعية المصرية فقد كان عضواً في إحداها. ويعني بـ(إحدى الجمعيات الدينية) الإخوان المسلمين. ويعني بـ(صورة من الفكر السياسي مناقضة تماماً لما كنت عليه) مرة أخرى أحد التنظيمات الشيوعية المصرية.
وفي حديثه عن حماسة عمّه لقانون الإصلاح الزراعي، قال: «وكان هذا الرأي من جانبه صدمة لفريق كبير من (المتدينين) من أصدقائه الذين كانوا يبدون حساسية مفرطة إزاء تلك الإجراءات، ويحاولون أن يلصقوا بها تهمة مخالفة الشرع، وانتهاك حق الملكية المقدس... إلخ، وأنها تفوح منها رائحة اليسارية المستهجنة لديهم، ولكنه استمر على رأيه وخطّأهم طيلة فترة الصدام بينهم وبين السلطة».
يقصد هنا بـ«المتدينين من أصدقائه» الإخوان المسلمين.
من روايته لتجربته الشخصية بدأ حياته السياسية في مرحلة الصبا بمدح الملك فاروق، ثم انتمى إلى إحدى الجماعات الدينية. والجماعات الدينية في مصر الأربعينات جماعات كثيرة. وقد عرفت أنه يقصد بها جماعة الإخوان المسلمين من قوله عن عمه: ولم ترضه أشياء أخرى، أهمها حكاية السمع والطاعة لأحدٍ من خلق الله. فهذه الجماعة تقوم على هذا المبدأ. وكان الأحد من خلق الله الذي يجب السمع والطاعة له في ذلك الوقت هو الشيخ حسن البنا.
سمى التنظيمات الشيوعية المصرية تارة الجمعيات السرية وسماها تارة أخرى صورة من الفكر السياسي مناقضة تماماً لما كان عليه. أي لما كان عليه حين انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين.
فلماذا هذه المبالغة في الاستخفاء مرتين عن التصريح بانتمائه للحركة الشيوعية؟! ولماذا لم يسمِّ الإخوان المسلمين باسمهم حين انتمى إلى جماعتهم وحين تحدث عن اختلافهم مع عمه حول حماسته لثورة 23 يوليو (تموز) 1952 في مبتدأ أمرها؟!
تضمنت مجلة (الهلال) من منتصف عام 1990، باباً جديداً اسمه (التكوين)، يحكي فيه كتّاب وأدباء ونقاد وأكاديميون وسياسيون ودبلوماسيون عن سنوات تكوينهم. وكان من ضمن الذي استكتبهم في هذا الباب المساهمون في الكتابة فيها. وكنت أنتظر أن يكتب عبد الرحمن شاكر عن سنوات تكوينه، إذ إنه كان يكتب فيها من عام 1982، كنت أنتظر أن يفعل هذا، لأن له تاريخاً في الحركة الشيوعية في أواخر العهد الملكي وفي السنوات الأولى من انقلاب الضباط الأحرار.
طال انتظاري كثيراً، وتوفي عام 2010 من دون أن يكتب شيئاً من سيرته الذاتية في ذلك الباب. وأغلب الظن أن مجلة (الهلال) طلبت منه أن يكتب عن سيرته الذاتية في ذلك الباب في أحد أعدادها، لكنه أوصد الباب أمام طلبها هذا.
التنظيم الشيوعي الذي انتمى إليه عبد الرحمن شاكر هو الحزب الشيوعي المصري، الذي كان يسمى (الراية) نسبة إلى جريدته السرية (راية الشعب). وهذه التسمية أشاعها خصومه من التنظيمات الشيوعية الأخرى فصارت ملازمة لاسمه الرسمي الذي اختاروه لأنفسهم. وكان لا يسمونه الحزب الشيوعي المصري، بل يسمونه «تنظيم الراية». لأنه كان يرفع شعار (لا شيوعية خارج الحزب). وهذا الشعار كأنه محاكاة للمعتقد الإيماني الكاثوليكي الذي يقول إنه (لا خلاص خارج الكنيسة) - والكنيسة هنا الكنيسة الكاثوليكية البابوية ـ والذي كان أول من أطلقه القديس أوغسطين. ويذكرنا شعارهم بدعوة ذلك المعتقد إلى (كنيسة مقدسة واحدة).
شعار أو مفهوم (الخلاص خارج الكنيسة) يتضمَّن تكفيراً دينياً للطوائف المسيحية الأخرى، فضلاً عن تكفيره الديني لليهود والمسلمين. ولم تراجع الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا وفي أميركا هذا الشعار أو هذا المفهوم إلا في وقت متأخر من العصر الحديث.
وإذا كان في المسيحية لكل مذهب كنيسته، والكنيسة كانت تحمل اسم كنيسة لا اسماً آخر، فإنه يلحظ في الموجة الثانية في الحركة الشيوعية في مصر أن أياً من تنظيماتها كان لا يحمل اسم حزب سوى الحزب الشيوعي المصري، الذي تأخر تاريخ تأسيسه عن تأسيس بعض التنظيمات الشيوعية في تلك الموجة. ولأنه كان وحده يحمل اسم حزب، سيتضح للقارئ معنى الشعار الذي رفعه هو شعار (لا شيوعية خارج الحزب).
ولا أعرف سبب تحرّج الموجة الشيوعية الثانية في الحركة الشيوعية من استعمال مصطلح حزب في أسماء تنظيماتها. ففي الموجة الأولى كان هناك في عام 1921 الحزب الاشتراكي المصري الذي تحول اسمه في عام 1923 إلى الحزب الشيوعي المصري.
بعد عودة فؤاد مرسي بشهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي من فرنسا في أول شهر من عام 1949، اجتمع هو ومجموعة من الشيوعيين كانت تربطه بهم آصرة حزبية هي (طليعة الإسكندرية) قبل ابتعاثه إلى فرنسا للإعلان عن تأسيس الحزب الشيوعي المصري في أواخر ذلك العام. وقد تأخر الإعلان إلى 8 يناير (كانون الثاني) عام 1950.
من أعضاء هذا الحزب، الدكتور إسماعيل صبري عبد الله والدكتور مصطفى صفوان زميلاه في الدراسة في فرنسا، وكانا مثله أيام الدراسة العليا فيها على اتصال بالحزب الشيوعي الفرنسي. ومن أعضائه من مصر داود عزيز الذي كان يرأس تحرير جريدة (راية الشعب) وسعد زهران ومصطفى طيبة وطوسون كيرلس وشكري عازر...
وكان للحزب نشرة داخلية اسمها (الحقيقة).
شغل الدكتور فؤاد مرسي في هذا الحزب منصب سكرتيره العام. وكان هذا الحزب يعتمد في رؤيته الآيديولوجية وفي منطلقات عمله السياسي الحركي اللتين تميزانه عن بقية التنظيمات الشيوعية الأخرى على كراستين كتبهما باسمه الحركي (الرفيق خالد)، وهما: (تطور الرأسمالية وكفاح الطبقات في مصر) و(ثورتنا المقبلة).
وكان يصدر نشرات سياسية معارضة باسمه الحركي (الرفيق خالد) في العهد الملكي وفي العهد الجمهوري. وتكثفت نشراته في العهد الأخير. وكان جمال عبد الناصر مهتماً كثيراً – على المستوى الشخصي - بمعرفة الاسم الحقيقي لصاحب هذا الاسم الحركي.
وقد مضى وقت طويل من عقد الخمسينات قبل أن يعرف أن صاحب هذا الاسم الحركي هو الدكتور فؤاد مرسي.
أتباع الحزب الشيوعي المصري (الراية) يرون أن «الرفيق خالد» قائد ملهم، لا يُدرك شأوه في التنظير والتحليل والكتابة والتكتيك السياسي ورسم الاستراتيجيات. وأنه أوحد عصره في الزعامة. لذا كانوا يختمون أناشيدهم الحماسية في المناسبات الخاصة والعامة بهتاف مدوٍّ هو: عاش الرفيق خالد ألف عام!
ولقد نقلوا معهم هذا الهتاف إلى السجن حين اعتقلوا مع بقية التنظيمات الشيوعية في شهر يناير 1959. يقول صنع الله إبراهيم الذي كان يسمعهم يرددون هذا الهتاف في الزنازين في يومياته في سجن الواحة: إن هذا الهتاف على وزن هتاف مماثل باسم ستالين. وفي رواية شيوعية أخرى، أن هذا الهتاف هتاف ماوي وليس هتافاً ستالينياً. فالشعب الصيني كان يهتف لماو بأن يعيش ألف عام.
والأمل، كل الأمل، أن أحداً من أهل العلم في الشيوعية السياسية يتلطّف – أجزل الله له الثواب – فيرجِّح أيهما الأصح في هاتين الروايتين.
إن هذا الهتاف في حقيقته «دعاء» لكنه دعاء فانتازي، لأنه يخالف – من جهة – الناموس الديني، ويخالف – من جهة أخرى – الناموس الشيوعي.
نعود بعد هذا الاستطراد الطويل عن هذا الحزب وعن زعيمه الخالد، إلى صاحبنا عبد الرحمن شاكر.
لا أعرف إن كان أول انتماء شيوعي له كان في هذا الحزب أم أنه انتمى قبلها لتنظيمات شيوعية أخرى.
في هذا الحزب كان مسؤول الطلبة والعمال في منطقة القاهرة وعضواً احتياطياً في لجنته المركزية. واسمه الحركي «الرفيق عامر». ولـ«الرفيق عامر» حكاية مع زعيمه «الرفيق خالد» – الذي كان من المفترض في عقيدة أتباعه أنَّه سيخلّد ألف سنة – حكاية تستحق أن تُروى. وللحديث بقية.