علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

المبررون

أثار ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قبل أسابيع جدلاً بحديثه عن هؤلاء الذين لا ينخرطون في الإرهاب، لكنهم بأفكارهم المتشددة يخلقون بيئة مناسبة أو حاضنة لظهور إرهابيين. وهو على حق في حديثه، فما نراه اليوم من تهديدات الإرهاب مسؤول عنها هؤلاء المبررون، الذين يحدثونك عن الظلم العالمي إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة، التي فرخت موجات متتالية من الإرهاب.
ومن أغرب العمليات الإرهابية الأخيرة، حادثة السيارة المفخخة التي انفجرت في وسط القاهرة قبل أيام في ساعة مبكرة من الصباح، مستهدفة القنصلية الإيطالية المغلقة وقتها، فأصابت أشخاصًا مصريين عابرين، وقتلت عابر سبيل، وهدمت جزءًا من جدار مبنى القنصلية، وبعد ذلك خرج بيان على موقع إلكتروني يعلن فيه تنظيم «داعش» مسؤوليته عن هذه العملية.
يصعب فهم الهدف من هذا التفجير ولماذا إيطاليا بالتحديد، هل هناك أحد لديه سيارة مفخخة ويريد تفجيرها في أي شيء، أم أنه مجرد محاولة للقول «نحن هنا» في ضوء الضربات التي يتعرض لها الإرهاب في سيناء، إذا كان بيان تنظيم «داعش» صحيحًا؟
لا أحد يعرف مدى صحة البيانات التي تخرج يوميًا في هذا الزمن الإرهابي الذي نعيشه، فقد تكون بعض البيانات صحيحة، وأخرى غير صحيحة من جماعات محلية تتبنى نفس الأفكار، وتريد إعطاء مصداقية لعملها بنسبته إلى تنظيم الدولة الداعشي، وهناك كثير من المهووسين المستعدين لدخول طريق الإرهاب والدم.
في مصر كانت هناك محاولة سابقة لاستهداف مواقع سياحية في الأقصر، وفشلت بعدما أثار المنفذون الشكوك، بينما في تونس نجح المهاجم في قتل عشرات السياح على شاطئ، في عملية خسيسة، كان الهدف منها كما يبدو ضرب الاقتصاد التونسي، الذي يعتمد مثل نظيره المصري على عائدات السياحة.
للأسف لا يمكن وقف هذه الأعمال الإرهابية في وقت قصير، فيكفي شخص واحد مثلما حدث في تونس، لارتكاب مجزرة وضرب السياحة لعدة أشهر أو لموسم بكامله، ونفس الشيء ينطبق على حشو سيارة بمتفجرات ثم وضعها قرب مكان يمثل مصالح أجنبية لتفجيرها من دون أي اعتبار لمن سيقوده حظه العاثر للمرور في الشارع لحظة التفجير، كما حدث القاهرة.
لا يمكن إيقاف هذه الموجة الجديدة من الإرهاب التي غذتها الأوضاع الإقليمية، خصوصًا في سوريا والعراق، لكن يمكن الحد من أضرارها، فالإرهاب هو في النهاية عمل أفراد منبوذين، ومن السهل تعبئة المجتمع ضدهم، فمنطق الحياة أقوى من منطق الانتحار.
ورغم دموية الأعمال الإرهابية الأخيرة التي ضربت عدة دول عربية، فإن هناك حالة تهافت في منطق منفذيها، سواء من استهداف مصلين ومساجد، أو إطلاق النار على سياح مسالمين، أو تفجير سيارة مفخخة في عابري سبيل.
الإرهاب يهزم نفسه كما حدث في الموجات السابقة، ومسلسل العمليات الأخيرة يثبت أنه ليس لديه منطق سوى التعطش المهووس للدم، وهو ما يضعه في مواجهة مباشرة مع الناس والمجتمع، وحتى المبررون وضعهم هذا الإرهاب الجديد في موقف ضعيف، فهو أشبه بأعمال العصابات والجريمة المنظمة.