جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

لوكربي: فصل درامي جديد

بدأت تتضح مؤخراً خيوط عملية اعتقال وتسليم ضابط المخابرات السابق أبو عجيلة مسعود المريمي، المتهم بتصنيع القنبلة التي فَجّرت طائرة «بانام 103» فوق بلدة لوكربي الاسكوتلندية في ديسمبر (كانون الأول) 1988.
تقارير إعلامية بريطانية ذكرت أن عملية التفاوض بين واشنطن وطرابلس تعود إلى فترة رئاسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. وأن إدارة الرئيس الحالي جو بايدن تسلمت الملف منها، وواصلت السعي لاعتقاله ومحاكمته في أميركا. واتضح كذلك أن وزارة العدل الأميركية كانت وما زالت في مقعد القيادة في هذه العملية، وأن البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) كانا على علم بما يحدث من تطورات.
التقارير تؤكد أن الخوف من التعدّي على السيادة الليبية وقف حائلاً بين قيام واشنطن باعتقال المتهم، وأن هذا السبب، تحديداً، كان وراء فتح قناة تفاوض سرّية مع حكومة طرابلس، وأن الأخيرة قبلت بتسليم المتهم لواشنطن خارج ليبيا، الأمر الذي ينأى بواشنطن عن تهمة خرق السيادة الليبية. إلا أن معلقين غربيين لا يرون أن العملية تقتصر على جانب قانوني فقط، بل سياسي أيضاً. ويذكّرون بما قامت به أميركا سابقاً من تعدّيات على السيادة الليبية بخطف مواطنين ليبيين متهمين بالمشاركة في عمليتين إرهابيتين في تنزانيا وبنغازي. المعلقون يؤكدون أن واشنطن منحت ضوءاً أخضر لحكومة طرابلس للقيام بالعملية سرّياً، من دون اللجوء إلى الجهات القانونية الليبية. وأنها قبلت راضية التعامل مع ميليشيات مسلحة لا تعترف بشرعيتها وتطالب بحلها. من المهم التذكير بأن وسائل الإعلام الليبية والدولية أوضحت أن اعتقال المتهم وتسليمه تمّت بالاستعانة بجماعتين مسلحتين تدينان بالولاء لحكومة طرابلس.
وفي جبهة مضادة لهؤلاء، يبرز معلقون أميركيون مؤيدون للعملية، مبررين الفعل الأميركي بتأكيدهم أن القصاص ممن أجرموا في حق أميركا، وقتلوا مواطنين أميركيين أبرياء، لا يعترف بأي موانع من أي نوع، ويحظى بالأولوية.
نجاح العملية، ومثول المتهم مؤخراً أمام محكمة أميركية قوبل بترحاب في الأوساط الأميركية، إلا أنه وضع حكومة طرابلس في مواجهة عاصفة عاتية من النقد والاتهامات قادمة من جهات كثيرة، الأمر الذي دعا رئيس الحكومة إلى بثّ كلمة مسجلة تلفازياً برّر من خلالها التسليم، بحجة أن للقضية جانباً جنائياً لم يُقفل، ويستوجب ملاحقة ومعاقبة كل المتسببين والمشاركين في الجريمة، وأن المتهم اعترف بجُرمه، ويستحق العقاب. المعلقون الليبيون يرون أن رئيس الحكومة تعمَّد عدم الإشارة إلى الكيفية التي تمّ بها الاعتقال، ولم يفصح عن المبررات القانونية التي أدت إلى تسليم المتهم، وأنه وإن لم يعترف بمسؤولية حكومته عن الاعتقال والتسليم إلا أنّه لم ينفها كذلك.
المعارضون للعملية اتهموا الحكومة بالتآمر مع دولة أجنبية لاعتقال وتسليم مواطن ليبي، من دون اللجوء إلى الجهات القانونية الليبية كما يتوجب قانوناً، وبهدف تحقيق مكاسب سياسية، تضمن قيام واشنطن بتخفيف أو لجم الضغوط الأوروبية المطالبة بمغادرة رئيس الحكومة الساحة، وتشكيل حكومة ثالثة تتولى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية تؤدي إلى تشكيل حكومة منتخبة، تكفل وضع نهاية لمرحلة الأجسام غير الشرعية وقياداتها، وبداية مرحلة جديدة.
الضجّة التي أثارتها العملية أدت إلى تدخل مكتب النائب العام، وإصدار أوامره للنيابة العامة بفتح تحقيق لتحديد المسؤول عن الخرق القانوني في عملية الاعتقال والتسليم. اللافت للانتباه أن الحكومة المحلية الاسكوتلندية أصدرت بياناً حول وصول المتهم إلى أميركا، واكتفت بالصمت، كأن ما حدث ويحدث لا يعنيها. إلا أن صحيفة «ذا سكوتسمان» ذكرت أن مكتب النائب العام الاسكوتلندي أبلغ أهالي الضحايا باعتقال المتهم بتصنيع القنبلة، وأن المسؤولين في أميركا وبريطانيا سوف يستأنفون استجوابه.
الفصل الدرامي الجديد الذي دخلته قضية لوكربي يبدو مثل زجاج معتم، لا يمكن رؤية ما وراءه. ولذلك السبب تُطرح بالضرورة أسئلة كثيرة لعل أهمها ما الدوافع وراء عدم قيام واشنطن بطلب تسليم المتهم في فترة قضاء عقوبة السجن؟ وهل تنتهي القضية ويغلق ملفها نهائياً بمحاكمته في أميركا، أم أننا سنكون شهود عيان على مسلسل آخر، أكثر درامية، وبتفاصيل أكثر تعقيداً، لا تتوقف في ليبيا؟ وهل السيد أبو عجيلة مسعود لا يعدو أن يكون سوى ذريعة تتخذها واشنطن للوصول إلى مسؤولين أمنيين سابقين في ليبيا، آخذين في الاعتبار ما جاء في كلمة رئيس الحكومة في طرابلس من حرصه على التعاون مع السلطات الأميركية لتقديم كل المتورطين في قضية لوكربي؟