مصطفى فحص
كاتب وناشط سياسي لبناني. حاصل على الماجستير في الدراسات الإقليمية. خبير في السياسة الخارجية لروسيا بالشرق الأوسط. متابع للشأنين الإيراني والعراقي. وهو زميل سابق في «معهد العلاقات الدولية - موسكو (MGIMO)». رئيس «جائزة هاني فحص للحوار والتعددية».
TT

النظام الإيراني... لا تراجع لا إصلاح

سواء ألغى النظام شرطة الأخلاق أم لم يلغها، الأهم أنه تحت وطأة الاحتجاجات اتخذ خطوته الأولى إلى الوراء، تراجع ظاهرُه واضح، تنازُل أمام المحتجين في محاولة يائسة لاحتوائهم، أما مضمونه، أيْ القرار، فإنه يحتوي على كثير من الغموض، ولا يوحي بأن النظام يدرك عمق أزمته، بل يكابر ويراهن على عامل الوقت حتى تتسنَّى له الظروف المواتية لكي يعيدَ الأمور إلى النصاب الذي يريد. لكن ما لم يدركه النظام في المشهد المستمر منذ أكثر من 10 أسابيع أن الوقت أو الزمن يسير باتجاه مخالف لاتجاهه، وبأنَّ حركة الاحتجاجات التي أسَّست لحالة التمرد في الشارع بدأت تترك تداعياتها على بنيته الداخلية، دفعت كبار شخصيات الثورة والدولة إلى نوع من التبرؤ من أفعال النظام، وأوضح دليل على محاولة التمايز عنه التصريح الأخير لرئيس الجمهورية السابق الإصلاحي محمد خاتمي، الذي دعا إلى «مد يد العون للطلاب والاعتراف بجوانب الحوكمة الخاطئة قبل فوات الأوان».
بدا خاتمي في تصريحه الذي أثار حفيظة قوى النظام التي هاجمته بعنف كمن يعلن انشقاقه علانية، انشقاق وصل إلى مستوى أنه وصف شعار الاحتجاجات الرئيسي «امرأة، حياة، حرية» بـ«الرائع». وهذا ما يمكن عدّه جرأة كبيرة من رجل دين في نظام ثيوقراطي، وشجاعة من شخصية مؤثرة، لا يمر كلامها مرور الكرام، ويمكن وضعه في عدة سياقات واحتمالات، خصوصاً أنه من الصعب التشكيك في نيات خاتمي حتى لو اتهمه البعض بأنه قد يكون مدفوعاً من بعض أطراف النظام من أجل تنفيس الشارع، ولكن هناك احتمال آخر أيضاً هو أن يكون أحد أطراف النظام يحاول الاستنجاد بخاتمي قبل فوات الأوان، ولكن يبقى الأمر اللافت أن خاتمي تبنى الشعار الأبرز الذي ترفعه حركة الاحتجاجات، وهذا ما لا يمكن أن يساوم عليه النظام.
السؤال الذي يطرح نفسه حول معضلة النظام الإيراني المزدوجة: هل هو قادر على التراجع؟ وهل يمكن أن يستفيد نوعاً ما من موقف الرئيس خاتمي؟! الاحتمال الأقرب أن النظام في طبيعته ليس بإمكانه تقديم تنازلات حقيقية، وهذا يعني أنه من المستحيل أن يقوم بخطوات إصلاحية حقيقية، وهنا يجب التفريق بين الإصلاحات والحركة الإصلاحية، رغم أن هناك من يربط بينهما، أي لا إصلاحات من دون الإصلاحيين.
فعلياً، من المستحيل أن يتراجع النظام عن موضوع الحجاب، وبالعكس فإن إلغاء شرطة الأخلاق ليس إلا لأنها فشلت في تحقيق مهمتها، وقد يوكل الأمر إلى جهات أخرى تنفذه بأسلوب جديد أكثر احترافية، خصوصاً أنه وضع نظام عقوبات مالية على من لا ترتدي الحجاب، من خلال حرمانها من التعاملات البنكية، فالحجاب الإلزامي هو غطاء عقائدي لشكل النظام، من يطالب بنزعه أشبه بمن يريد رفع الستر عنه، وهذا من المستحيلات في قاموسه. أما من ناحية أن يكون التراجع مقدمة لإصلاحات، يحاول النظام إبقاء تراجعه شكلياً حتى لو كان فيه انتصار معنوي لحركة الاحتجاجات، ما يعني أن الإصلاحات مستحيلة.
في هذا السياق يرى عدد من العارفين بالشأن الإيراني أن بعد تجربة عقود من حكم الإصلاحيين والمعتدلين، كانت هناك صعوبة في إصلاح النظام من الداخل، وهذا الأمر يشير إلى ضعف تأثير التيار الإصلاحي السياسي على طبيعة نظام الجمهورية عندما كان في السلطة، ما يدفع إلى التساؤل حول موقف الرئيس خاتمي وأين يمكن وضعه، فبالنسبة للمفكر التنويري الإيراني مصطفى ملكيان فإنَّ هناك حالة يأس من إمكانية إصلاح النظام الإيراني، إذ قال: «أنا لست إصلاحياً لأنني رأيت أن جميع الطرق مغلقة»، وهذا يعني أن ثمة قناعة تكونت لدى نخب إيرانية مؤثرة بأنه من المستحيل إصلاح النظام.