جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

الإحصائياتُ واختلافُ القراءات

أهميةُ الإحصائيات الرسمية عموماً، لا يختلف حولها عاقلان، والسكانية منها بشكل خاص، ذات الصلة بالشأنين الاقتصادي والاجتماعي. الأهمية تنبع مما تقدمه الإحصائيات لصنّاع القرار من معلومات وبيانات تفيد في تصميم السياسات، أو تطوير الاحتياجات بما يتفق واحتياجات المكونات السكانية في المجتمع.
إلا أن الإحصائيات، من زاوية أخرى، من الممكن أن تكون سلاحاً ذا حدّين، بتحولها إلى أداة تضليل. فهي من ناحية تستخدم لتشخيص الأزمات وإيجاد الحلول. ومن الممكن أن تستغل كذلك، من قبل جهات مختلفة، لأغراض سياسية، بغرض التضليل وزعزعة الاستقرار، أو شق الوحدة الوطنية.
لذلك لا نستغرب سعي بعض الدول، نتيجة عوامل وأسباب أمنية وعسكرية، إلى حجب الإحصائيات أحياناً، والتعامل معها بسرّية مطلقة، في ظروف معينة، خشية من تسربها إلى جهات معارضة أو معادية، أو حرصاً على الوحدة الوطنية، خاصة في مجتمعات ذات طابع متعدد طائفياً أو إثنياً.
وهذا بدوره يحيلنا إلى الحديث عن الإحصائيات الصادرة في بريطانيا، في الأسبوع الماضي، لعام 2021، عن «إدارة الإحصاءات الوطنية»، حول التغيرات الديموغرافية في إنجلترا وويلز، بالتركيز على التغيرات الديموغرافية عرقياً ودينياً، خلال عقد من الزمن، أي منذ عام 2011.
قراءة التغيرات التي كشفتها الإحصائيات حظيت باهتمام عديد من المعلقين من تيار اليمين المتطرف، الذين عملوا على تقديم قراءة مضللة، تخدم دعواهم العنصرية، بإثارة النعرة العرقية من خلال ثغرة الهجرة غير المشروعة.
فيما يتعلق بالمسألة العرقية، أبانت الإحصائيات ما كان متوقعاً. وهو أن المجتمع البريطاني يواصل تغيّره العرقي، الذي بدأه منذ سنوات مضت. وأن نسبة السكان البيض في إنجلترا وويلز ما زالت الأكثر ارتفاعاً، إلا أن عددهم نقص نصف مليون نسمة، خلال فترة العشر سنوات الأخيرة.
وفيما يتعلق بالدين، كشفت الإحصائيات أن عدد السكان البيض، ممن يعتبرون أنفسهم من أتباع الدين المسيحي، قد انخفض عن نسبة 50 في المائة لأول مرّة، منذ بدء عمليات المسح السكاني. أي أن نسبتهم تقلصت خلال الفترة الزمنية من عام 2011 إلى عام 2021 بنسبة 13 في المائة.(النسبة الحالية بلغت 46 في المائة، وتعادل 27.5 مليون نسمة من مجموع 60 مليون نسمة).
ووفقاً لتقارير إعلامية بريطانية، بلغت تلك النسبة 59 في المائة في عام 2011، و71 في المائة في عام 2001. وارتفعت نسبة من لا ينتمون إلى أي دين 12 في المائة، وبلغت 37 في المائة.
ويظل من المفيد الإشارة إلى أن تقلص مساحة التديّن عموماً، بين السكان البيض في البلدان المسيحية الغربية، وفي البلدان غير الكاثوليكية منها خصوصاً، ظاهرة ليست جديدة. وفي بريطانيا، تحديداً، تبدو أكثر وضوحاً، ومن الممكن تتبعها تاريخياً، ورصدها وثائقياً، منذ القرن التاسع عشر.
وفي الوقت ذاته، وفي توازٍ مع الإحصائيات الأخيرة، فإن نسبة التديّن في البلدان المسيحية غير الأوروبية تشهد ارتفاعاً. ولا يقتصر الارتفاع في النسب على الدين المسيحي، بل يشمل اتباع أديان أخرى، وفي مقدمتها الدين الإسلامي.
إحصائيات صدرت في عام 2015 عن «Pew Research Centre»، وهو مركز بحوث مسيحي، تؤكد أن أعداد المسيحيين في العالم وصلت إلى 2.5 مليار، مقابل 1.8 مليار مسلم. ويتوقع زيادة أعداد المتدينين في كل الأديان بحلول عام 2050.
الإحصائيات الأخيرة وفّرت ذخيرة مهمة وحيوية لأنصار اليمين المتطرف العنصري، حيث زعموا أن المدن الثلاث الكبرى (لندن ومانشستر وبرمنغهام) أضحى البيضُ فيها أقلية. وأن 46 في المائة فقط من البريطانيين مسيحيون. مما يعني تغيراً هائلاً في الهوّية المسيحية لبريطانيا. وأن النقص في أعداد المسيحيين البريطانيين يعود لتزايد أعداد المهاجرين. مشكلة العنصريين تتمثل في تضييقهم التعريف (بريطاني) وقصره على السكان البيض فقط.
الإحصائيات الرسمية أخيراً تؤكد أن نسبة السكان البيض في لندن ومانشستر هي الأعلى في المدينتين، وتتجاوز 50 في المائة، وفي برمنغهام تبلغ 49 في المائة. والقول بتأثيرات الهجرة مردود عليهم؛ لأن إحصائيات المهاجرين غير الشرعيين تؤكد ارتفاع نسبة المسيحيين بينهم مقارنة بأتباع الديانات الأخرى.
واستناداً إلى معلقين وخبراء، فإن نقص نسبة أتباع الدين المسيحي من السكان البيض البريطانيين عموماً، لا يعني أن نسبة من يتبعون الدين المسيحي في بريطانيا قد صاروا الأقل عدداً بين السكان.
النقص في أعداد المسيحيين اقتصر على البيض فقط، ولم يشمل غيرهم من المكونات الإثنية الأخرى.
الإحصائيات تؤكد أن نسبة 72 في المائة من الأقلية السوداء في إنجلترا وويلز هم من أتباع الدين المسيحي، وبزيادة أكثر من نصف مليون نسمة عن عددهم في عام 2011. ومضافاً إليهم الأقلية من البيض من غير البريطانيين. 60 في المائة منهم مسيحيون. وزاد عددهم مليون نسمة منذ عام 2011.