الشوائب المعدنية في المياه تضر بصحة المخ

التعرض لمعدن الرصاص في الطفولة يؤدي إلى تدهور الإدراك

الشوائب المعدنية في المياه تضر بصحة المخ
TT

الشوائب المعدنية في المياه تضر بصحة المخ

الشوائب المعدنية في المياه تضر بصحة المخ

من الطبيعي أن يكون توفير المياه النقية على رأس أولويات أي مجتمع. وكلمة «نقية» لا تعني أن الماء يكون خالياً من الميكروبات أو من مسببات العدوى فحسب؛ بل أيضاً يجب أن يحتوي على أقل كمية من المعادن الثقيلة الضارة بالصحة، والموجودة في أبخرة المصانع المختلفة، وعوادم السيارات، أو حاويات مياه الشرب.
وأهم هذه المعادن وأخطرها على صحة الإنسان هو الرصاص. وهذا الخطر ليس قاصراً على المجتمعات الفقيرة فقط؛ لكن حتى في الدول ذات المستوى المعيشي المرتفع؛ حيث تزيد احتمالات تعرض المواطنين فيها للتلوث الصناعي.

الرصاص والمخ
وحسب أحدث دراسة تم نشرها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فإن المستويات المتزايدة من الرصاص في المياه تؤدي إلى تلف خلايا المخ، على المدى الطويل.
الدراسة التي نُشرت في النسخة الإلكترونية من مجلة «Science Advances» لعلماء من جامعة مينيسوتا University of Minnesota بالولايات المتحدة، أوضحت أن الرصاص على الرغم من وجوده بشكل طبيعي كمعدن، فإن تراكمه في الدم بكميات كبيرة يمكن أن يؤدي إلى آثار صحية سلبية؛ خصوصاً للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات (أي في مرحلة ما قبل الدراسة). ويمكن أن يؤدي تراكم الرصاص في خلايا المخ بشكل تدريجي إلى التسبب في مشكلات في التعلم والإدراك بشكل عام. وعلى المدى البعيد يمكن أن يتسبب في حدوث أمراض عصبية، مثل السكتة الدماغية، أو حدوث مرض «ألزهايمر».
قام الباحثون بتتبع بيانات 1089 من كبار السن في الولايات المتحدة، كانوا جميعاً قد شاركوا في دراسة صحية سابقة طويلة الأمد، بين عامي 1998 و2016 تناولت عدة أوجه صحية، ومنها الصحة العقلية والإدراكية. وكان هؤلاء المشاركين أطفالاً في خلال عام 1940، وكان عمر معظم من شاركوا في هذه الدراسة وقتها نحو 65 عاماً. واستخدم الباحثون بيانات التعداد لمعرفة مكان إقامة كل مشارك في الدراسة في ذلك الوقت.
وجد العلماء أن أولئك الذين نشأوا في مدن بها مياه شرب كانت ملوثة بكميات أكثر من الرصاص نتيجة لأنابيب المياه المصنعة في ذلك الوقت، وكانت نسبتهم في العينة 7 في المائة من عدد المشاركين، سجلوا درجات أسوأ في الاختبارات التي تمت لهم، فيما يتعلق بالذاكرة، وكذلك مهارات التفكير المختلفة، والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات. وقالوا إن النتائج تشير إلى أن الذين تم اختبارهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالخلل في الذاكرة لاحقاً؛ نظراً لأن نقطة البداية المعرفية لديهم عادة ما تكون أقل من الأشخاص العاديين الذين لم يتأثروا بالكمية نفسها من المعدن.
وأوضح العلماء أن التعرض للكمية نفسها من الرصاص في المياه، لا يعني بالضرورة أن كل الأطفال الذين يشربون منها سوف يصابون بتأخر إدراكي أو خرف فيما بعد، نظراً لوجود عدة عوامل أخرى تتحكم في ذلك، ومنها الفروق الفردية في مستويات الذكاء بين الأطفال، بجانب المستوى التعليمي الذي تم الوصول إليه تبعاً لمستوى دخل كل أسرة، وأيضاً موقعها الاجتماعي، والصحة العضوية لكل طفل؛ سواء وقت التعرض، أو لاحقاً في البلوغ، وعدم الإصابة بالأمراض المزمنة التي يمكن أن تؤثر في الصحة العامة، مثل أمراض القلب.

التلوث وتدهور الإدراك
وأشار الباحثون إلى أنه في المجمل يعاني الأطفال أصحاب المستويات المرتفعة من الرصاص في الدم، مشكلات أكثر من غيرهم في العملية التعليمية.
وهؤلاء الأطفال في الأغلب تقل احتمالات تخرجهم من المدرسة الثانوية، ومعظمهم لم يستطيعوا الالتحاق بالجامعة لاحقاً مثل أقرانهم في الأماكن البعيدة عن التلوث. وبشكل غير مباشر، يؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في القدرات الإدراكية، بمعنى أن عدم حصولهم على مستويات أعلى من التعليم لا يشجعهم على تنمية مهارتهم الفكرية، عبر توفير فرص وظيفية لها طبيعة فكرية تساعد على التحفيز العقلي والإدراك المعرفي، مما يعجل بتدهور الصحة العقلية بشكل أسرع في مرحلة الشيخوخة.
وأشار الباحثون إلى أهمية عدم التعرض للرصاص مبكراً، حتى لو لم يكن هناك أعراض، ولم يظهر على الطفل التراجع الدراسي أو الإدراكي؛ لأن الرصاص حينما يدخل الجسم يتم تخزينه في العظام، ومع تقدم العمر تتأثر صحة العظام بشدة وتتعرض للهشاشة وفقدان أجزاء منها نتيجة للكسور المختلفة طوال المراحل العمرية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة كميات الرصاص في الدم، وبالتالي زيادة الكميات التي يمكن أن تترسب في الخلايا المخية.
وحذَّر الباحثون من سرعة تدهور خلايا المخ مع الكميات المتزايدة من التعرض للتلوث. وحسب الدراسات السابقة كان الخلل في الذاكرة يحدث عبر 40 أو 50 عاماً، نتيجة للتعرض لكميات كبيرة من الرصاص في الأجيال السابقة؛ سواء في أنابيب المياه أو بسبب مواد كيميائية أخرى تم استعمالها، مثل مواد طلاء المنازل.
ونتيجة للوعي المتزايد، تتعرض الأجيال الحالية لكميات أقل من الرصاص؛ لكنها لا تزال غير صحية، ويجب الحد منها قدر الإمكان.
ونصحت الدراسة الحكومات بضرورة الاهتمام بمشروعات البيئة، والحفاظ على المياه من التلوث، وإقامة المصانع بعيداً عن المناطق السكنية، مع إلزامها بمراعاة مواصفات صارمة لمعايير السلامة الصحية. وأيضاً نصحت الآباء بضرورة التأكد من مصادر المياه التي يشرب منها الأبناء في المدارس؛ خصوصاً الموجودة في مبانٍ قديمة. وفي حالة عدم توفر مصدر جيد للشرب يجب على الأم إعطاء طفلها زجاجة مياه نقية، مع الاهتمام بصحة الأطفال بشكل عام وصحة العظام بشكل خاص.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

صحتك تظهر الخلايا المناعية في الدماغ أو الخلايا الدبقية الصغيرة (الأزرق الفاتح/الأرجواني) وهي تتفاعل مع لويحات الأميلويد (الأحمر) - وهي كتل بروتينية ضارة مرتبطة بمرض ألزهايمر ويسلط الرسم التوضيحي الضوء على دور الخلايا الدبقية الصغيرة في مراقبة صحة الدماغ (جامعة ولاية أريزونا)

فيروس شائع قد يكون سبباً لمرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص

اكتشف الباحثون وجود صلة بين عدوى الأمعاء المزمنة الناجمة عن فيروس شائع وتطور مرض ألزهايمر لدى بعض الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

كم عدد الزيارات السنوية للطبيب حول العالم؟

وفق تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية

صحتك أكواب من الحليب النباتي بجانب المكسرات (أرشيفية - إ.ب.أ)

دراسة: النباتيون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب

تشير دراسة إلى أن النباتيين قد يكونون أكثر عرضة للاكتئاب؛ لأنهم يشربون الحليب النباتي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك تساهم المكسرات والأسماك الدهنية والخضراوات والفواكه في رفع مستويات الكوليسترول الجيد (أرشيفية- جامعة ناغويا)

أفضل الوجبات الصحية للعام الجديد

خلص خبراء إلى أن أفضل وجبة غذائية لعام 2025، هي الوجبة «المتوسطية» التي ترتبط بالعادات الغذائية لسكان منطقة حوض المتوسط.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

TT

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

أعادت الأخبار المتواترة عن انتشار الإصابة بفيروس «HMPV» إلى الأذهان المخاوفَ من حدوث جائحة عالمية جديدة تهدد الصحة وتتسبب في توقف عجلة الحياة مماثلة لجائحة «كوفيد» قبل 5 سنوات.

فيروس تنفسي معروف

الحقيقة أن هذا الفيروس الذي يصيب الجهاز التنفسي ليس نوعاً حديثاً من الفيروسات، لكن تم اكتشافه في عام 2001. وهناك بعض الآراء العلمية ترى أن الإصابة بالفيروس بدأت في منتصف القرن الماضي، لكن لم يتم رصدها قبل بداية الألفية الماضية.

ويشتق اسم الفيروس من الحروف الأولى باللغة الإنجليزية لجملة «الفيروس المتحور الرئوي البشري» (Human Metapneumovirus) التي تشير بوضوح إلى تأثيره على الجهاز التنفسي. ويطلق عليه علمياً: «فيروس التالي لالتهاب الرئة البشري» (الاسم العلمي: Human metapneumovirus) ومختصره «HMPV».

نحو 10 % من الأطفال يُصابون به دائماً

خلافاً للتصور العام لم يكن المرض نادراً وانتشر فجأة، وفي الأغلب هناك نسبة تتراوح بين 7 و10 في المائة من الأطفال على وجه التقريب تصاب به قبل بلوغهم عمر الخامسة ولكن يتم التعامل معه كما لو كان نزلة برد عادية.

وبالرغم من بساطة المرض فإن الإصابة تكون شديدة العنف في بعض الأشخاص، خصوصاً الذين يعانون من أمراض صدرية مزمنة مثل الربو الشعبي والسدة الرئوية المزمنة (COPD)، ويحدث لهم التهاب القصيبات الهوائية والتهاب رئوي حاد.

الأعراض

في الأغلب تكون الأعراض في الجزء الأعلى من الجهاز التنفسي، وتشبه نزلات البرد، مثل سيلان الأنف والعطس والسعال، ويمكن سماع الصفير، ويلاحظ ارتفاع بسيط في درجة الحرارة واحتقان في الحلق. ومعظم الحالات تكون خفيفة ولا تستمر أكثر من أسبوع.

ولكن الأطفال الصغار (أقل من 6 شهور) والبالغين فوق سن 65 عاماً والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة هم أكثر عرضة لحدوث مضاعفات وانتقال المرض إلى الجزء الأسفل من الجهاز التنفسي.

انتقال الفيروس

مثل معظم الفيروسات التنفسية، ينتشر فيروس «HMPV» من خلال استنشاق الهواء الملوث بالفيروس، سواء بشكل مباشر عند التعرض لرذاذ شخص مصاب عن طريق السعال والعطس والقبلات، أو التعرض غير المباشر لهذا الرذاذ عند المصافحة أو ملامسة الأسطح والأشياء الملوثة مثل الهواتف أو مقابض الأبواب أو لوحات مفاتيح المصاعد.

طرق الوقاية من العدوى

وهي الطرق نفسها التي كانت متبعة في جائحة «كوفيد»، والأمراض التنفسية بشكل عام، مثل البعد عن الزحام والتجمعات وتجنب القرب من أو لمس الأشخاص المصابين وارتداء الكمامة للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة، وغسل الأيدي جيداً باستمرار بالماء والصابون. ويفضل عدم تناول الطعام إلا بعد طهيه بشكل جيد، وتناول الغذاء الصحي والفيتامينات التي من شأنها أن تعزز المناعة مثل فيتامين سي والزنك.

ويجب على الأشخاص المصابين بالمرض الحرص على سلامة الآخرين تبعاً لتعليمات منظمة الصحة العالمية (WHO) بضرورة البقاء في المنزل للمصابين بنزلة برد وتغطية الفم عند السعال وتجنب لمس الآخرين.

المعرضون أكثر للمضاعفات

بجانب الرضع وكبار السن، الأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة في الجهاز التنفسي، أو من أمراض من شأنها أن تضعف المناعة مثل المصابين بالأورام المختلفة والذين يتناولون علاجاً مثبطاً للمناعة بسبب الأمراض المناعية.

التشخيص

في الأغلب يعتمد التشخيص على التاريخ المرضي والأعراض الإكلينيكية التي تُعطي صورة جيدة عن حدة المرض، وفي حالة استمرار الأعراض أكثر من أسبوعين يمكن عمل أشعة على الصدر أو مسحة من الأنف أو الحلق وتحليلها في المعمل لرصد الفيروس.

العلاج

يكون موجهاً بشكل أساسي للأعراض مثل علاج خافض الحرارة، وتناول السوائل بشكل عام باستمرار لمنع الجفاف والسوائل الدافئة في حالة احتقان الحلق. ويمكن استخدام المسكنات البسيطة مثل «الباراسيتمول» في حالة الشعور بألم، وفي الأعراض العنيفة مثل ضيق التنفس وسرعته أو عدم القدرة على التنفس بسهولة يجب الذهاب إلى المستشفى.

وحتى هذه اللحظة لا توجد أي بيانات من المنظمات الطبية في الصين أو منظمة الصحة العالمية تشير إلى حدوث إصابات عنيفة بشكل جماعي من المرض أو وفيات بشكل وبائي.