مرض ألزهايمر... إنجازات وتحديات عالمية

رؤى وطرق علاجية مبتكرة في يومه العالمي

مرض ألزهايمر... إنجازات وتحديات عالمية
TT

مرض ألزهايمر... إنجازات وتحديات عالمية

مرض ألزهايمر... إنجازات وتحديات عالمية

«الحادي والعشرون» من شهر سبتمبر (أيلول)، يوم غدٍ (السبت)، هو اليوم العالمي لمرض ألزهايمر، الذي يتم الاحتفال به سنوياً، والذي يعد بمثابة منصة عالمية مهمة لرفع مستوى الوعي وتعزيز البحث والدعوة لتحسين الرعاية والدعم للمتضررين من هذا المرض وأشكال الخرف الأخرى.

مع استمرار تقدم سكان العالم في السن، أصبح العبء الناجم عن مرض ألزهايمر وما يرتبط به من أمراض الخرف مصدر قلق كبير وعاجل للصحة العامة؛ الأمر الذي يستلزم استجابة منسقة ومتعددة الأوجه من الوسط العلمي، وصناع السياسات، بل من المجتمع ككل.

إنه جهد عالمي لجذب الانتباه إلى هذا المرض والأفراد المتأثرين به، ومن المهم التفكير في التقدم الذي تم تحقيقه، والقضايا التي لم يتم حلها، والإجراءات اللازمة لمكافحة هذا المرض المنهك.

شعار هذا العام 2024، هو «اعرف الخرف، تعرف على مرض ألزهايمر» (Know Dementia, Know Alzheimer's)، إنه يدعو إلى أهمية رفع مستوى الوعي وبناء الفهم الصحيح لهذه الحالات المنهكة، والعمل على مكافحة الوصمة، ودعم المتضررين، والدعوة إلى البحث لإيجاد علاج - كل ذلك من خلال الاستمرار في تثقيف أنفسنا حول الخرف ومرض ألزهايمر. وهذا يشجع الجميع على معرفة المزيد عن أعراض هذا المرض وأسبابه وعلاجاته من أجل العيش بمزيد من الرحمة والمعرفة.

ألزهايمر وباء عالمي

مرض ألزهايمر هو مرض عصبي تنكسي يتميز بالتدهور التدريجي للوظائف المعرفية، مثل الذاكرة واللغة والتفكير والسلوك والقدرات على حل المشكلات. وهو السبب الأكثر شيوعاً للخرف (dementia)، حيث يمثل 60 - 80 في المائة من الحالات. والغالبية العظمى من المصابين بمرض ألزهايمر هم من كبار السن، على الرغم من أنه يصيب أيضاً الأشخاص الأصغر سناً الذين تقل أعمارهم عن 65 عاماً.

من المهم أن نعرف أن الخرف يشير إلى التدهور العقلي العام الذي يتعارض مع الوظائف اليومية، ومرض ألزهايمر هو شكل من أشكال الخرف الذي يتعلق بفقدان الذاكرة.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، من المتوقع أن يصل عدد الأشخاص الذين يعانون الخرف في جميع أنحاء العالم إلى 139 مليون شخص بحلول عام 2050، ارتفاعاً من ما يقدر بنحو 55 مليون شخص في عام 2019. وترجع هذه الزيادة المذهلة إلى شيخوخة سكان العالم، فضلاً عن ارتفاع معدل انتشار عوامل الخطر، مثل السمنة والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.

إن التأثيرين الاجتماعي والاقتصادي لمرض ألزهايمر عميقان بالقدر نفسه؛ فرعاية الأفراد المصابين بالخرف تضع عبئاً كبيراً على الأسر وأنظمة الرعاية الصحية واقتصادات الدول، حيث من المتوقع أن تصل التكلفة العالمية للخرف إلى تريليونَي دولار سنوياً بحلول عام 2030. كما أن الخسائر العاطفية والنفسية التي يتحملها مقدمو الرعاية والأحباء هائلة أيضاً؛ مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى الدعم والموارد الشاملة.

أعراض ومراحل مرض ألزهايمر

- المرحلة ما قبل السريرية (Preclinical Stage): لا توجد أعراض ملحوظة، لكن يمكن اكتشاف التغيرات الدماغية باستخدام تقنيات التصوير المتقدمة.

- ضعف إدراكي معتدل (Mild cognitive impairment): انخفاض طفيف، لكنه ملحوظ وقابل للقياس في القدرات المعرفية، بما في ذلك مهارات الذاكرة والتفكير.

- مرض ألزهايمر الخفيف (Mild Alzheimer's): فقدان الذاكرة، الارتباك، صعوبة اللغة، تغيرات المزاج والشخصية، وصعوبة القيام بالأنشطة اليومية.

- مرض ألزهايمر المتواضع (Modest Alzheimer's): المزيد من فقدان الذاكرة، والارتباك، ومشكلة في التعرف على العائلة والأصدقاء، وصعوبة في اللغة ومعالجة الأفكار، ومشاكل متعلقة بالسلوك.

- مرض ألزهايمر الشديد (Severe Alzheimer's): عدم القدرة على التحدث بشكل معقول، والحاجة إلى رعاية بدوام كامل، وفقدان القدرات البدنية، وأخيراً فقدان الوعي.

حقائق وأعباء ألزهايمر

* حقائق مذهلة:

- في الولايات المتحدة، يصاب شخص ما بمرض ألزهايمر كل 65 ثانية، أي ما يزيد قليلاً على دقيقة.

- أرقام مخيفة. تشير التوقعات إلى أن أكثر من 14 مليون شخص قد يصابون بمرض ألزهايمر في الولايات المتحدة بحلول عام 2050.

- الوقت الثمين، يتم إنفاق أكثر من 18 مليار ساعة من العمل غير مدفوع الأجر على تقديم الرعاية لمرضى الخرف كل عام.

- حاصد الأرواح، يصنّف مرض ألزهايمر باعتباره السبب الرئيسي السادس للوفاة في الولايات المتحدة.

- الخسارة المبكرة، يعاني أكثر من 200 ألف أميركي تقل أعمارهم عن 65 عاماً مرض ألزهايمر المبكر.

* العبء العالمي لمرض ألزهايمر. تفيد تقارير منظمة الصحة العالمية بأن الخرف هو إحدى الأزمات الصحية العالمية المتزايدة، ويؤثر على أكثر من 55 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد ثلاث مرات بحلول عام 2050 مع تزايد أعمار سكان العالم.

يمتد تأثير مرض ألزهايمر إلى ما هو أبعد من الشخص المصاب. فمقدمو الرعاية - وهم عادة أفراد الأسرة المباشرون - يواجهون أعباء عاطفية وجسدية ومالية ثقيلة. يُظهر الكثير من مقدمي الرعاية أيضاً مستويات عالية من التوتر والاكتئاب والعزلة؛ مما يؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة إلى تزويدهم بأنظمة دعم وموارد أفضل.

تطورات حديثة في أبحاث ألزهايمر

في السنوات الأخيرة، أحرز المجتمع العلمي تقدماً كبيراً في كشف الفيزيولوجيا المرضية المعقدة لمرض ألزهايمر؛ مما أدى إلى تقدم هائل في هذا المجال. وقد اكتسب الباحثون رؤى أعمق حول الآليات الأساسية، مثل دور تراكم بروتين أميلويد - بيتا (amyloid - beta) وبروتين تاو (tau protein) في الدماغ، والالتهاب العصبي، والعوامل الوراثية. وقد مهدت هذه النتائج الطريق لتطوير تدخلات علاجية جديدة، بما في ذلك العلاجات المناعية، والأدوية ذات الجزيئات الصغيرة، والأساليب القائمة على نمط الحياة.

ومع ذلك، فإن السعي لإيجاد علاج لمرض ألزهايمر لا يزال يشكل تحدياً كبيراً. وعلى الرغم من التجارب السريرية الكثيرة، فإن تطوير علاجات فعالة لتعديل المرض كان بطيئاً، مع وجود عدد قليل فقط من الأدوية المعتمدة التي توفر تخفيفاً متواضعاً للأعراض. إن عدم تجانس مرض ألزهايمر، وتعقيد عملية المرض، والقيود المفروضة على أدوات التشخيص الحالية، كلها عوامل ساهمت في الصعوبات التي تعترض ترجمة الاكتشافات العلمية إلى فوائد سريرية ملموسة.

تطورات حديثة في طرق علاج ألزهايمر

على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها العلماء في محاولة علاج ألزهايمر، فإن هناك تطورات حديثة في هذا المجال. يمكن تقسيم هذه التطورات إلى ثلاثة محاور رئيسية:

* أولاً: العلاجات الدوائية المستهدفة (Targeted Pharmacotherapies:):

- أدوية موجهة ضد «بيتا أميلويد»: في السنوات الأخيرة، تم تطوير عدد من الأدوية التي تستهدف لويحات البيتا أميلويد في الدماغ. وهذه الأدوية تهدف إلى منع تكوين أو تحطيم هذه اللويحات، وبالتالي تقليل الأضرار التي تسببها في الدماغ.

من هذه الأدوية، أدوكانوماب (Aducanumab) الذي حصل على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في عام 2021، وهو يعدّ من أبرز العلاجات التي تركز على البيتا أميلويد. يعمل هذا الدواء عن طريق إزالة اللويحات الأميلويدية من الدماغ؛ مما يساعد على إبطاء تقدم المرض في مراحله المبكرة.

- أدوية موجهة ضد بروتين «تاو»: تعدّ من المستجدات الواعدة في علاج ألزهايمر، حيث «تاو» يُعدّ أحد البروتينات الرئيسية التي تساهم في تدهور الخلايا العصبية في الدماغ. وتسعى التجارب الحديثة إلى تطوير أدوية تمنع تشابك بروتين تاو داخل الخلايا العصبية، وبالتالي تحسين الوظائف الإدراكية. وأحد العلاجات الواعدة في هذا المجال هو تاوديكو (TAU - A)، وهو دواء قيد التجارب السريرية. يسعى هذا الدواء إلى منع تراكم بروتين «تاو» وبالتالي تأخير تدهور الوظائف العقلية.

- تطورات العلاجات الجينية والخلوية: العلاج الجيني هو أحد المجالات التي تلقى اهتماماً كبيراً في الأبحاث المتعلقة بألزهايمر. يهدف العلاج الجيني إلى تعديل أو استبدال الجينات المرتبطة بتطور المرض، أو تحفيز الخلايا العصبية على إنتاج بروتينات صحية تعزز من وظائف الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الأبحاث في مجال الخلايا الجذعية إلى استخدام هذه الخلايا لتعويض الخلايا العصبية التالفة أو الميتة. وفي التجارب الحديثة، نجح العلماء في استخدام خلايا جذعية لإعادة نمو الخلايا العصبية التالفة في أدمغة الفئران؛ مما يشير إلى أن هذه التقنية قد تكون فعالة للبشر في المستقبل.

* ثانياً: التدخلات القائمة على نمط الحياة:

- الاحتياطي المعرفي (cognitive reserve)، لقد اكتسب هذا المفهوم جاذبية؛ ما يشير إلى أن الانخراط في أنشطة محفزة عقلياً وممارسة الرياضة البدنية والتفاعل الاجتماعي طوال الحياة قد يساعد في بناء القدرة على الصمود ضد بداية مرض ألزهايمر وتطوره.

- التعديلات الغذائية، مثل حمية البحر الأبيض المتوسط وحمية مايند (MIND diet) التي تعمل على تأخير التنكس العصبي، قد أظهرت نتائج واعدة في الحد من خطر التدهور المعرفي والخرف.

- تحسين النوم وإدارة الإجهاد وعوامل نمط الحياة الأخرى، يجري حالياً استكشاف قدرتها على التخفيف من مخاطر مرض ألزهايمر وتحسين إدارة المرض.

ألزهايمر السبب الأكثر شيوعاً للخرف... حيث يمثل 60 - 80 % من حالات الخرف

أساليب مبتكرة للرعاية

* ثالثاً: أساليب مبتكرة في الرعاية الشاملة: استجابة للتحديات التي تواجه الباحثين في رحلة اكتشاف علاجات فعالة، استكشفت مجتمعات البحث والرعاية الصحية أساليب مبتكرة لمعالجة مرض ألزهايمر. أحد السبل الواعدة هو تنفيذ تدخلات شخصية ومتعددة الوسائط تجمع بين العلاجات الدوائية ونمط الحياة والعلاجات المعرفية. ومن خلال استهداف جوانب مختلفة من عملية المرض، أظهرت نماذج الرعاية المتكاملة هذه إمكانية إبطاء التدهور المعرفي وتحسين نوعية الحياة للمرضى.

من نماذج الرعاية المتكاملة ما يلي:

- تتعاون فرق الرعاية متعددة التخصصات، بما في ذلك أطباء الأعصاب والأطباء النفسيون للمسنين والممرضات والاختصاصيون الاجتماعيون والمعالجون المهنيون؛ لتوفير رعاية شاملة تتمحور حول المريض، للأفراد المصابين بمرض ألزهايمر وعائلاتهم.

- يتم دمج الحلول المدعومة بالتكنولوجيا، مثل رصد المؤشرات الحيوية الرقمية، والمراقبة عن بعد، وخدمات الرعاية الصحية عن بعد، في نماذج الرعاية لتعزيز الكشف المبكر، والتدخلات الشخصية، والدعم المستمر.

- يعد تعليم مقدمي الرعاية، والخدمات المؤقتة، ومجموعات الدعم أيضاً مكونات حاسمة في مناهج الرعاية الشاملة، مع الاعتراف بالعبء الكبير الواقع على عاتق الأسر ومقدمي الرعاية.

- توفر هذه الأساليب المبتكرة، جنباً إلى جنب مع التقدم المستمر في فهمنا لمرض ألزهايمر، الأمل في استراتيجيات إدارة أكثر فاعلية وتحسين نوعية الحياة للمتضررين من هذه الحالة المدمرة.

وأخيراً، يُعد اليوم العالمي لمرض ألزهايمر بمثابة تذكير قوي بالعبء العالمي الهائل لمرض ألزهايمر والحاجة الملحة إلى تسريع الأبحاث وتحسين الرعاية ودعم المتضررين من هذه الحالة المدمرة. ومن خلال التقدم العلمي المستمر، والجهود التعاونية، والنهج الشامل الذي يركز على المريض، يمكن للمجتمع العالمي أن يعمل من أجل مستقبل يتم فيه الوقاية من مرض ألزهايمر، وإدارته بشكل فعال، والتغلب عليه في نهاية المطاف. ومن خلال احتضان روح اليوم العالمي لمرض ألزهايمر، يمكننا إلهام الأمل، ودفع عجلة الابتكار، وإحداث تغيير ملموس في حياة الملايين المتضررين من هذا المرض الخبيث.

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

صحتك السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

تُعد السمنة من أبرز التحديات الصحية في العصر الحديث، حيث تتزايد معدلاتها بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم، وتلقي بتأثيراتها السلبية على الصحة العامة.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (الخبر - المنطقة الشرقية)
صحتك فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

فوائد ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الأطفال الصغار

مع بدء العام الدراسي، سلط العلماء في جامعة فلوريدا أتلانتيك، الضوء على أهمية ألعاب المحاكاة في تنمية مهارات الطفل الإبداعية والفكرية في مرحلة ما قبل الدراسة.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك عضلات جسمك تؤلمك... 9 أسباب قد تغيب عنك

عضلات جسمك تؤلمك... 9 أسباب قد تغيب عنك

عند استخدام لغة الأرقام، فإن حالات آلام العضلات تمثل مشكلة صحية واسعة الانتشار.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب

الملوثات الكيميائية مصدر قلق متزايد على صحة القلب

عادة ما يثير الاتصال بالمواد الكيميائية السامة، والتلوث الناجم عنها، المخاوف بخصوص الإصابة بالسرطان أو مشكلات عصبية.

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساتشوستس الأميركية)
صحتك نصحت خبيرة التغذية الأشخاص بعدم وزن أنفسهم يومياً (د.ب.أ)

لفقدان الوزن بفاعلية... تجنَّب هذه العادات الخمس

كشفت اختصاصية تغذية أميركية عن 5 عادات سيئة يجب التخلص منها أثناء محاولة إنقاص الوزن.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة
TT

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

السمنة... تحديات صحية وحلول مبتكرة

تُعد السمنة من أبرز التحديات الصحية في العصر الحديث، حيث تتزايد معدلاتها بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم، وتلقي بتأثيراتها السلبية على الصحة العامة.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 650 مليون شخص بالغ من السمنة، وهو ما يمثل نحو 13 في المائة من سكان العالم البالغين. تتسبب السمنة في زيادة مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل داء السكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وبعض أنواع السرطان. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر السمنة على جودة الحياة بشكل عام، حيث يمكن أن تؤدي إلى مشاكل في الحركة والنوم، وتزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب والقلق. من هنا، تبرز أهمية التوعية بمخاطر السمنة وضرورة اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية للحد من انتشارها وتحسين صحة الأفراد والمجتمعات.

معرض الصحة والجمال

نظمت مجموعة مستشفيات المانع، أكبر شركة طبية ومزود خدمات رعاية صحية في المنطقة الشرقية، «معرض الصحة والجمال» الأول في مجمع المانع الطبي بفرع الراكة، حيث قدم المعرض معلومات شاملة حول الصحة وأبرز الإجراءات التجميلية الحديثة، وآخر التطورات في عالم العلاجات المتعلقة بالجمال.

عن معرض الصحة والجمال الأول، قال مانع المانع، الرئيس التنفيذي لمجموعة مستشفيات المانع: «يسرّنا استضافة أول معرض للصحة والجمال في الراكة. وإنّ تركيزنا على تقديم حلول متطورة لمرضانا ومشاركة المعرفة المبنية على الأدلة بمساعدة وإشراف خبرائنا يُعد خطوة أساسية في تعزيز خدماتنا للمجتمع، إذ يعكس تنظيم هذا المعرض التزامنا بتحقيق التميز في مجال الصحة والرفاهية، ويؤكد حرصنا على تلبية احتياجات مرضانا بما يتماشى مع (رؤية السعودية 2030)».

لقاء طبي

تحدث إلى «صحتك» الدكتور أسامة الخطيب كبير استشاريي الغدد والسكري والسمنة في مستشفى المانع بالخبر. وعرف السمنة بأنها هي زيادة في وزن الإنسان، وتقاس بمؤشر كتلة الجسم (BMI)، وهو عبارة عن تقسيم الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر. فإذا كان المؤشر 18 - 25، فهو يعني الوزن المثالي، أما إذا كان المؤشر ما بين 25 و27 فإنه يعني زيادة في الوزن، وما بعد 30 تعتبر سمنة. والسمنة أيضاً تقسم إلى ثلاثة أنواع: سمنة بسيطة يكون فيها المؤشر ما بين «30 و35»، وسمنة متوسطة (35 - 40)، وسمنة مَرَضية (يزيد فيها المؤشر على 45).

الدكتور أسامة الخطيب

وأضاف أن السمنة أو زيادة الوزن تختلف من عصر إلى عصر، فقبل 500 سنة، كانت السمنة رمزاً للجمال والصحة والثروة. أما الآن فقد تغير ذلك المفهوم بسبب التبعات والمضاعفات التي تنجم عنها، حيث أصبحت السمنة هي المصدر الرئيسي لمعظم الأمراض في العصر الحالي، مثل أمراض القلب، وأمراض السكري، وأمراض الكلى، وأمراض الضغط. حتى عند النساء اللائي يعانين من السمنة، فباتت الأمراض أكثر شيوعاً، ومنها مشاكل الحمل الناتجة عن الاعتلالات في المبايض.

السمنة في أرقام

يقول الدكتور أسامة الخطيب إن أنماط الحياة، في العصر الحالي، قد تغيرت كثيراً وابتعدنا عن تطبيق واتباع النظم الصحية كما يجب، وانتشر الاعتماد على الوجبات السريعة المشبعة بالدهون، إضافة إلى قلة الحركة والاعتماد على السيارة حتى للمسافات القصيرة.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، لم تعد السمنة ظاهرة كما كانت قبل عقد وأكثر من الزمان، بل صنفت بأنها مرض حقيقي يؤدي إلى أمراض أخرى متعددة.

* السمنة والأمراض. إذ إن زيادة الوزن والسمنة هما أهم سبب لمرض السكري من النوع الثاني (90 في المائة)، ولمرض ارتفاع ضغط الدم (70 - 90 في المائة). وتزداد نسبة أمراض التنفس (أكثر من 50 في المائة) عند الأشخاص الذين يعانون من السمنة، وتتسبب السمنة في مرض السرطان بنسبة 10 - 15 في المائة.

* السمنة في العالم. ويضيف الدكتور الخطيب أن هناك دراسة حديثة نشرتها مجلة «لانسيت»، وساهمت فيها منظمة الصحة العالمية، أظهرت أن أكثر من مليار شخص في العالم كانوا يعانون من السمنة في عام 2022، وأن معدلات السمنة بين البالغين زادت في جميع أنحاء العالم أكثر من الضعف منذ عام 1990، وأربع مرات بين الأطفال والمراهقين بين سن 5 و19 سنة.

* السمنة في دول الخليج. لو قارنا نسبة السمنة بدول العالم نجد أن دول الخليج تكاد تكون من أكثر الدول في السمنة. وقد وُجد أن الكويت والبحرين هما الأعلى في نسبة زيادة الوزن والسمنة، تليهما المملكة العربية السعودية ثم الإمارات ثم عُمان.

ولو قارنا السمنة على مستوى دول الخليج، نجد أن نسبة زيادة الوزن والسمنة في السعودية قد وصلت إلى 52 في المائة. منها 27 في المائة عبارة عن زيادة الوزن، وأكثر من 25 في المائة هي السمنة المفرطة.

كما أشار الدكتور الخطيب إلى دراسة حديثة أخرى أظهرت أن في السعودية هناك 18 في المائة من الأطفال ما دون السنوات الخمس يعانون من زيادة الوزن والسمنة. وهذه النسبة العالية هي بسبب الاعتقاد الخاطئ لدى الآباء والأمهات بأن السمنة عند الأطفال هي ظاهرة صحية.

الوقاية من السمنة

حقيقة علمية، مفادها بأن السمنة هي حالة طبية خطيرة يمكن أن تؤدي إلى العديد من المشاكل الصحية، والوقاية منها تتطلب اتباع نمط حياة صحي يشمل النظام الغذائي المتوازن والنشاط البدني المنتظم. وهذه أهم خطوات الوقاية:

* أولاً: اتباع نظام غذائي صحي، يتضمن:

- تقليل السعرات الحرارية، بالتأكد من أنها تتناسب مع مستوى النشاط البدني. وتوصي منظمة الصحة العالمية بالنظام الغذائي المعتمد 30 - 40 في المائة على الخضراوات والفاكهة، و10 - 15 في المائة نشويات، و20 في المائة بروتينات.

- تناول الأطعمة الغنية بالألياف، فهي تساعد في الشعور بالشبع لفترة أطول، مما يقلل من كمية الطعام المتناولة.

* تجنب الدهون غير الصحية. وأهمها المتحولة والمشبعة، واستبدالها بزيت الزيتون، والأفوكادو، والمكسرات.

* ثانياً: ممارسة النشاط البدني، يتضمن:

- التمارين الرياضية المنتظمة: مثل المشي، والجري، والسباحة لحرق السعرات الحرارية. وعمل ممشى صحي في الأحياء السكنية.

- زيادة النشاط اليومي: من خلال القيام بالأعمال المنزلية.

* ثالثاً: النوم الجيد: النوم الكافي ذو الجودة العالية يساعد في تنظيم الهرمونات التي تتحكم في الشهية والوزن. قلة النوم يمكن أن تؤدي إلى زيادة الوزن.

آخر المستجدات في علاج السمنة

يقول الدكتور أسامة الخطيب إن الأبحاث الطبية شهدت في السنوات الأخيرة تطورات كبيرة في مجال علاج السمنة، من أهمها:

* أولاً: العلاجات الدوائية. تم تطوير أدوية جديدة تساعد في تقليل الشهية وزيادة حرق السعرات الحرارية والوقاية من مضاعفات السكري والسمنة على القلب والكلى. ومن أحدثها ما يعمل عن طريق محاكاة هرمون (GLP - 1) الذي يخفض نسبة السكر في الدم ويبطئ عملية الهضم فيشعر الشخص بالشبع فترة أطول.

لقد مرت هذه العقاقير بثلاثة أجيال، الجيل الأول اسمه «ساكسندا Saxenda»، والثاني «أوزمبك Ozempic»، والثالث «مُنجارو Mounjaro» وهذا الأخير يعتمد على نوعين من الهرمونات (GIP and GLP - 1). وجميعها أثبتت فعاليتها في إنقاص الوزن إلى نحو 20 في المائة خلال سنة، ولكن جميع هذه العقاقير لا يتم صرفها إلا بعد استشارة الطبيب للتأكد من سلامتها وأنها موصوفة للشخص المناسب طبياً، كما يتم التأكد من صحة الغدة الدرقية، وعدم وجود أي سرطان أو مرض آخر.

* ثانياً: التدخلات الجراحية التنظيرية. شهد العقد الماضي تطوراً في الجراحات التنظيرية التي تستخدم أنبوباً مرناً مزوداً بكاميرا، مما يجعلها أقل تدخلاً وأكثر أماناً للمرضى، ومنها عمليات قص المعدة أو تحويل مسار المعدة.

وبالمقارنة مع الإبر الحديثة، نجد أن العمليات تؤدي إلى تنقيص الوزن بنحو 20 إلى 30 في المائة كبداية، بينما العقاقير الحديثة ربما تصل في تنزيل الوزن لأكثر من 22 في المائة، وفقاً لإحدى الدراسات الحديثة. والأمر الجيد في هذه الإبر أن ليس لها مضاعفات مقارنة بالعمليات التي تحمل مضاعفات كثيرة وما يتسبب عنها من هشاشة العظم ونقص الفيتامينات وغيرهما، في حين أن الإبر بالعكس تقي من أمراض القلب والكلى وتحمي كثافة العظم.

معدلات السمنة بين البالغين زادت في العالم أكثر من الضعف منذ عام 1990 وأربع مرات بين الأطفال والمراهقين

* ثالثاً: وسائل أخرى تحت الدراسة:

- التدخل الجيني: أظهرت دراسة حديثة (Davidson، Weizmann 2020) أن إزالة جين معين من الأنسجة الدهنية باستخدام تقنية كريسبر (CRISPR) يمكن أن يزيد من حرق السعرات الحرارية دون الحاجة إلى اتباع نظام غذائي صارم.

- العلاجات الحيوية الاصطناعية: كشفت دراسة جديدة عن علاجات حيوية واعدة يمكن أن تساعد في علاج الأمراض المرتبطة بالسمنة مثل السرطان وحساسية الأنسولين (مؤسسة مايوكلينيك).

يختتم الدكتور أسامة الخطيب حديثه بالتأكيد على أن الوقاية من السمنة تظل هي الخطوة الأولى والأهم، وهي متاحة للجميع من خلال اتباع نمط حياة صحي، وأن التطورات الحديثة في العلاج تقدم أملاً جديداً للمرضى الذين يعانون من السمنة المفرطة. والمهم في موضوع إنقاص الوزن هو أن نغير من أنماط حياتنا، وأن نتبع أنماطاً صحية تقينا من السمنة، وأن نبدأ في تطبيقها مع جميع أفراد العائلة وخصوصاً الأطفال الصغار. علينا ملاحظة الصغار وإبعادهم عن تناول الأكل المحتوي على كثير من النشويات كالبطاطا والخبز والرز، وأن نستبدلها بالأكل الصحي الغني بالبروتينات والخضراوات والفواكه، وأن نشجعهم على ممارسة التمارين الرياضية بانتظام ولمدة 1/2 ساعة أو ساعة يومياً، وخاصة بعد توفر المماشي الصحية في معظم المدن، وأن نعودهم على عدم الاعتماد على السيارة في المشاوير القصيرة.

وبعدما يتم تحقيق خفض كبير في الوزن للأشخاص الذين يعانون من السمنة وينتقلون إلى وزن أكثر صحة، تبدأ شكواهم من الجلد الزائد المترهل والأنسجة الرخوة الضعيفة، وتبدأ معاناتهم من عدم الراحة الجسدية والنفسية والتحديات العاطفية. تتطلب هذه الحالة نحت الجسم وإجراء جراحة ترميمية. تعتبر هذه الإجراءات ضرورية لأنها تساعد على إزالة الجلد الزائد والدهون، وشد الأنسجة، وفي النهاية تحسين وظيفة الجسم ومظهره. هذا ما قد نتناوله لاحقاً مع أحد المتخصصين في جراحة التجميل ونحت القوام.

*استشاري طب المجتمع.