ألعاب الفيديو تحفز القدرات الذهنية لدى أطفال المدارس

تمنحهم سرعة البديهة والقدرة على التعامل مع عواقب المكاسب والخسارة

ألعاب الفيديو تحفز القدرات الذهنية لدى أطفال المدارس
TT

ألعاب الفيديو تحفز القدرات الذهنية لدى أطفال المدارس

ألعاب الفيديو تحفز القدرات الذهنية لدى أطفال المدارس

منذ ظهور ألعاب الفيديو وحتى اليوم، هناك دائماً حالة من الجدل حول أضرارها وفوائدها على الأطفال من الناحية النفسية والسلوكية وحتى العضوية. وعلى ما يبدو أن هذا الجدل لن ينتهي قريباً، خصوصاً مع وجود العديد من الدراسات المؤيدة لوجهة نظر كل فريق. وتوصلت أحدث دراسة قام بها علماء من جامعة فيرمونت (University of Vermont) بالولايات المتحدة إلى احتمالية أن تقوم ألعاب الفيديو بدور مهم في تحفيز قدرات الأطفال الإدراكية.
الألعاب وقدرات الإدراك
الدراسة التي قام بها فريق بحثي يقوده الدكتور النفسي بدر الشعراني، أميركي من أصل لبناني، نشرت في النسخة الإلكترونية من مجلة الرابطة الطبية الأميركية (JAMA Network Open) في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، وجدت أن الأطفال في عمر المدرسة الذين يقضون ساعات في اللعب بانتظام حصلوا على درجات أعلى من أقرانهم الآخرين، الذين لم يقوموا بممارسة أي ألعاب فيديو، وذلك في اختبارين لقياس القدرات الذهنية، أحدهما كان لقياس قوة الذاكرة قصيرة المدى، والآخر كان لمعرفة إلى أي مدى يمكن للطفل التحكم في الانفعالات.
أشار الباحثون إلى أن نتائج هذه الدراسة لا تعني أن كلَّ من يمارس ألعاب الفيديو بالضرورة سوف يحرز تقدماً على المستوى المعرفي، وأيضاً لا تعني أن الأطفال يمكنهم الجلوس لوقت غير محدد أمام هذه الألعاب، ولكنها يمكن أن تساهم في فتح أفاق لطرق التفكير. وأوضحوا أن معظم الدراسات تركز على الأضرار الناتجة عن مشاهدة هذه الألعاب، خصوصاً العنيفة منها، لكن هناك فوائد بالتأكيد على الأقل بالمقارنة مع ما يسمى وقت الشاشة السلبي (passive screen time) مثل مشاهدة التلفزيون أو مطالعة وسائل التواصل الاجتماعي.
رغم أن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) لها توصيات صارمة فيما يتعلق بوقت الشاشات قبل عمر السادسة، إلا أنها لا تتعامل بالقدر نفسه من الصرامة مع استخدام الأطفال في الفئة العمرية الأكبر، وهي الفئة التي تكون بالفعل في المدارس أثناء العام الدراسي. وربما يكون السبب في ذلك راجعاً للدراسات التي ترصد فوائد هذه الألعاب مثل التحفيز على سرعة البديهة والقدرة على اتخاذ قرارات معينة، والتعامل مع عواقب المكسب والخسارة، ما ينعكس بشكل إيجابي على شخصية الطفل.
قام الباحثون بتتبع بيانات 2000 تلميذ من أصل ما يقرب من 12 ألف تلميذ كانوا قيد الدراسة من خلال أبحاث المعاهد الوطنية للصحة (National Institutes of Health) في الولايات المتحدة، وكان متوسط أعمارهم من 9 إلى 10 سنوات، وتم استخدام أشعة الرنين المغناطيسي الوظيفي (functional MRI) لفحص نشاط المخ لهؤلاء الأطفال أثناء قيامهم بأداء مهام مختلفة، سواء في الدراسة أو اللعب أو الاطلاع وقضاء الوقت بشكل عام. وتم تقسيمهم إلى مجموعتين؛ الأولى كانت من الأطفال الذين قاموا بلعب ألعاب الفيديو لمدة ثلاث ساعات على الأقل في اليوم، والمجموعة الثانية كانت من الأطفال الذين لم يلعبوا أي ألعاب مطلقاً.
تحفيز المخ
قام العلماء بقياس الطول والوزن لكل الأطفال المشاركين في الدراسة، وقاموا بعمل تقييم نفسي وسلوكي عليهم قبل إجراء التجربة، وأيضاً تم توزيع استبيان للأطفال حول الوقت الذي يقضيه كل منهم أمام الشاشات في ممارسة ألعاب الفيديو على وجه التحديد. وراعى الباحثون أن تكون العينة التي شملت الأطفال من جميع الولايات تمثل التركيبة السكانية الكاملة. وتعمد الباحثون اختيار الأطفال الذين قضوا وقتاً أطول أمام الشاشات مما أوصت به الأكاديمية.
وفي المتوسط، وجد الباحثون أن الأطفال الذين قاموا باللعب لفترات تصل إلى 3 ساعات يومياً هم الذين قاموا بتسجيل درجات أعلى في اختبارات قياس التحكم في الانفعالات المختلفة، مثل الغضب والترقب والتصرف تحت ضغط، وأيضاً تميزوا بسرعة استدعاء المعلومات من الذاكرة العاملة (working memory) التي تشير إلى القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات لفترة مؤقتة مثل طلب الاتجاهات وتذكرها، حتى الوصول إلى الوجهة المحددة.
ورغم أن ثلاث ساعات في اليوم تعد فترة طويلة أمام الشاشات، إلا أن الدراسة لم تجد أي دليل على أن هؤلاء الأطفال كانوا أسوأ حالاً من حيث الصحة العقلية والنفسية أو كسر القواعد واللجوء إلى العنف، وكذلك لم يكن لديهم مشكلات في الانتباه.
أشار الباحثون إلى أن الأطفال ربما يقبلون على ألعاب الفيديو الحديثة من خلال تحفيز بعض خصائص في خلايا المخ تجعل الأطفال ينجذبون أكثر نحو هذه الألعاب. وذكروا أن الاختبارات المعرفية التي تم إجراؤها أثناء عمليات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي كانت تشبه إلى حد كبير مشاهدة ألعاب الفيديو من خلال استلقاء الطفل على ماسح ضوئي أو مشاهدة شاشة عرض تفاعلية أو استخدام نظارات الفيديو والتحكم في الألعاب عن طريق الضغط على الأزرار الموجودة على جهاز محمول باليد.
أكد الباحثون أن نوعية اللعبة يمكن أن تمثل فارقاً في الحصول على مهارات معرفية معينة. وعلى سبيل المثال، فإن المهارات الفكرية والعاطفية التي يتم اكتسابها من خلال ممارسة ألعاب ذات طبيعة عسكرية تشمل الجيوش والخطط والحروب والكر والفر، تختلف عن المهارات الفكرية التي يتم اكتسابها من ممارسة لعبة خيالية تهتم بالعواطف المختلفة، وربما يكون اختيار نوعية الألعاب هو العامل الأهم في مشاهدة هذه الألعاب.
في النهاية، يجب الاعتدال في قضاء الوقت أمام هذه الألعاب، وعدم تحولها إلى إدمان يسيطر على المراهق، ويجب عمل موازنة بين اللعب وممارسة النشاط البدني، وقضاء وقت اجتماعي مع أصدقاء ومنافسين حقيقيين بجانب النشاط الفكري والدراسي.
* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
TT

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

وذكرت أن قبل خمس سنوات، سمع العالم التقارير الأولى عن مرض غامض يشبه الإنفلونزا ظهر في مدينة ووهان الصينية، والمعروف الآن باسم «كوفيد - 19».

وتسبب الوباء الذي أعقب ذلك في وفاة أكثر من 14 مليون شخص، وأصيب نحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وكذلك في صدمة للاقتصاد العالمي، وأدرك زعماء العالم أن السؤال عن جائحة أخرى ليس «ماذا إذا ظهرت الجائحة؟»، بل «متى ستظهر؟»، ووعدوا بالعمل معاً لتعزيز أنظمة الصحة العالمية، لكن المفاوضات تعثرت في عام 2024، حتى مع رصد المزيد من التهديدات والطوارئ الصحية العامة العالمية.

وإذا ظهر تهديد وبائي جديد في عام 2025، فإن الخبراء ليسوا مقتنعين بأننا سنتعامل معه بشكل أفضل من الأخير، وفقاً للصحيفة.

ما التهديدات؟

في حين يتفق الخبراء على أن جائحة أخرى أمر لا مفر منه، فمن المستحيل التنبؤ بما سيحدث، وأين سيحدث، ومتى سيحدث.

وتظهر تهديدات صحية جديدة بشكل متكرر، وأعلن مسؤولو منظمة الصحة العالمية تفشي مرض الملاريا في أفريقيا، كحالة طوارئ صحية عامة دولية في عام 2024. ومع نهاية العام، كانت فرق من المتخصصين تستكشف تفشي مرض غير معروف محتمل في منطقة نائية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويعتقد الآن أنه حالات من الملاريا الشديدة وأمراض أخرى تفاقمت بسبب سوء التغذية الحاد.

وتشعر القائمة بأعمال مدير إدارة التأهب للأوبئة والوقاية منها في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيرخوف، بالقلق إزاء وضع إنفلونزا الطيور، فالفيروس لا ينتشر من إنسان إلى إنسان، ولكن كان هناك عدد متزايد من الإصابات البشرية في العام الماضي.

وقالت إنه في حين أن هناك نظام مراقبة دولياً يركز بشكل خاص على الإنفلونزا، فإن المراقبة في قطاعات مثل التجارة والزراعة، حيث يختلط البشر والحيوانات، ليست شاملة بما فيه الكفاية.

وتؤكد أن القدرة على تقييم المخاطر بشكل صحيح «تعتمد على الكشف والتسلسل وشفافية البلدان في مشاركة هذه العينات».

تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهمية الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

وتقول إن جائحة «كوفيد - 19» تركت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم «مهتزة حقاً»، وتبعتها قائمة طويلة من الأزمات الصحية الأخرى.

وأضافت: «بدأت الإنفلونزا الموسمية في الانتشار، وواجهنا الكوليرا، والزلازل، والفيضانات، والحصبة، وحمى الضنك. إن أنظمة الرعاية الصحية تنهار تحت وطأة العبء، وتعرضت القوى العاملة الصحية لدينا على مستوى العالم لضربة شديدة، ويعاني الكثيرون من اضطراب ما بعد الصدمة. ومات الكثيرون».

وقالت إن العالم لم يكن في وضع أفضل من أي وقت مضى عندما يتعلق الأمر بالخبرة والتكنولوجيا وأنظمة البيانات للكشف السريع عن التهديد.

وتضيف أن توسيع قدرات التسلسل الجينومي في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، وتحسين الوصول إلى الأكسجين الطبي والوقاية من العدوى ومكافحتها، تظل «مكاسب كبيرة حقاً» بعد جائحة «كوفيد - 19». وهذا يعني أن إجابتها عمّا إذا كان العالم مستعداً للوباء التالي هي: «نعم ولا».

وتقول: «من ناحية أخرى، أعتقد أن الصعوبات والصدمة التي مررنا بها جميعاً مع (كوفيد) ومع أمراض أخرى، في سياق الحرب وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية والسياسية، لسنا مستعدين على الإطلاق للتعامل مع جائحة أخرى، ولا يريد العالم أن يسمعني على شاشة التلفزيون أقول إن الأزمة التالية تلوح في الأفق».

وتقول إن عالم الصحة العامة «يكافح من أجل الاهتمام السياسي، والمالي، والاستثمار، بدلاً من أن تعمل الدول على البقاء في حالة ثابتة من الاستعداد».

وذكرت أن الحل الطويل الأجل «يتعلق بالحصول على هذا المستوى من الاستثمار الصحيح، والتأكد من أن النظام ليس هشاً».

هل الأموال متاحة للاستعداد للوباء؟

وجد وزير الصحة الرواندي الدكتور سابين نسانزيمانا نفسه يتعامل مع تفشي مرضين رئيسيين في عام 2024: حالة الطوارئ الصحية العامة في أفريقيا، و66 حالة إصابة بفيروس «ماربورغ» في بلاده.

ويشارك في رئاسة مجلس إدارة صندوق الأوبئة، الذي أُنشئ في 2022 كآلية تمويل لمساعدة البلدان الأكثر فقراً على الاستعداد للتهديدات الوبائية الناشئة.

ويحذر نسانزيمانا مما إذا وصل الوباء التالي في عام 2025 بقوله: «للأسف، لا، العالم ليس مستعداً، ومنذ انتهاء حالة الطوارئ الصحية العامة بسبب (كوفيد) العام الماضي، حوّل العديد من القادة السياسيين انتباههم ومواردهم نحو تحديات أخرى، ونحن ندخل مرة أخرى ما نسميه دورة الإهمال، حيث ينسى الناس مدى تكلفة الوباء على الأرواح البشرية والاقتصادات ويفشلون في الانتباه إلى دروسه».

وقال إن صندوق الأوبئة «يحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من الموارد للوفاء بمهمته»،

وفي عام 2022، بدأت منظمة الصحة العالمية مفاوضات بشأن اتفاق جديد بشأن الجائحة من شأنه أن يوفر أساساً قوياً للتعاون الدولي في المستقبل، لكن المحادثات فشلت في التوصل إلى نتيجة بحلول الموعد النهائي الأولي للجمعية العالمية للصحة السنوية في 2024، ويهدف المفاوضون الآن إلى تحديد موعد نهائي لاجتماع هذا العام.

جائحة «كورونا» غيّرت الكثير من المفاهيم والعادات (إ.ب.أ)

وتقول الدكتورة كلير وينهام، من قسم السياسة الصحية في كلية لندن للاقتصاد: «حتى الآن، أدت المحادثات في الواقع إلى تفاقم مستويات الثقة بين البلدان»، ولا يوجد اتفاق حول «الوصول إلى مسببات الأمراض وتقاسم الفوائد»، وكذلك الضمانات التي تُمنح للدول الأكثر فقراً بأنها ستتمكن من الوصول إلى العلاجات واللقاحات ضد مرض وبائي مستقبلي، في مقابل تقديم عينات وبيانات تسمح بإنشاء هذه العلاجات».

وتشير الأبحاث إلى أن المزيد من المساواة في الوصول إلى اللقاحات في أثناء جائحة «كوفيد - 19» كان من الممكن أن ينقذ أكثر من مليون حياة.

وذكرت وينهام: «الحكومات متباعدة للغاية، ولا أحد على استعداد حقاً للتراجع».

وقالت آن كلير أمبرو، الرئيسة المشاركة لهيئة التفاوض الحكومية الدولية التابعة لمنظمة الصحة العالمية: «نحن بحاجة إلى اتفاق بشأن الجائحة يكون ذا معنى».