روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

هل للأميركيين الحق في مقاطعة إسرائيل؟

في خضم أعمال العنف الخطيرة بالضفة الغربية، أصدرت الهيئة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة تقريراً في 20 أكتوبر (تشرين الأول)، خلص إلى أن الاحتلال الإسرائيلي خالف القانون الدولي، لأن الحكومة الإسرائيلية تحاول تكريس الاحتلال الدائم مع استمرار بناء المستوطنات. وحث خبراء الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية في لاهاي، على تقديم رأيها بشأن الاحتلال.
من ناحية أخرى، قد تُحال زاوية أخرى من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني إلى المحكمة العليا الأميركية. فقد قال «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، وهو المنظمة الخاصة المعنية بحماية الحقوق المدنية للمواطنين الأميركيين، في 20 أكتوبر، إنه سيطالب المحكمة العليا بإلغاء قانون إحدى الولايات الأميركية المعني بمعاقبة الشركات الأميركية التي ترفض التعهد بتجاهل دعوات مقاطعة إسرائيل. وهناك 35 ولاية أميركية (من أصل 50) لديها قوانين تحظر أي عقود حكومية أو استثمارات مع شركات خاصة تُقاطع إسرائيل أو الأراضي المحتلة. وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد دعت هذه الولايات في 2019 إلى إلغاء القوانين المناهضة للمقاطعة، التي تُعاقب الشركات التي تريد إنهاء تعاملها مع الاحتلال الإسرائيلي. وأصدرت «هيومن رايتس ووتش» هذه التوصية بعد إعلان شركة «إير بي إن بي» الأميركية للتسكين السياحي في 2018، أنها سوف تتوقف عن إدراج العقارات للإيجار في المستوطنات الإسرائيلية. وحثت الحكومة الإسرائيلية حكومات الولايات الأميركية على التدخل، واتخذت الولايات الرئيسية، بما فيها إلينوي وتكساس وفلوريدا، إجراءات عقابية بحق شركة «إير بي إن بي»، واضطرت الشركة إلى التراجع عن موقفها.
وعلى نحو مماثل، باعت شركة «يونيليفر» الأميركية هذا الشهر، إثر ضغوط من ولايات نيويورك وتكساس وإلينوي، لشركة إسرائيلية، حقوق الترخيص لإنتاج نوع معروف من الآيس كريم، كانت الشركة قد قررت عدم بيعه في الضفة الغربية. وفي مايو (أيار) 2022، كتب ستيفن كوك، محلل السياسة الخارجية الأميركية والباحث في معهد بروكينغز، أنه على الرغم من الضجيج العارض أحياناً من بعض الجامعات، فإن إسرائيل وحركة مناهضة المقاطعة في الولايات المتحدة قد انتصرت. فالشركات الأميركية الكبرى التي لديها علاقات تجارية كبيرة ومهمة مع شركات إسرائيلية سوف تحتفظ بها. يُذكر أن تأثير الحركة المناهضة للمقاطعة قوي في واشنطن والولايات الأميركية. ووفقاً لاستطلاع للرأي العام أجراه معهد «بيو» للدراسات عام 2022، فإن 84 في المائة من الأميركيين لا يعرفون إلا القليل، أو لا شيء إطلاقاً، عن حركة مقاطعة إسرائيل، ويدعمها 5 في المائة فقط.
في هذا المناخ العصيب، لماذا يحث الاتحاد الأميركي للحريات المدنية المحكمة العليا الأميركية على النظر في أمر قانون مكافحة المقاطعة بولاية أركنسو الآن؟
السبب أن الاتحاد يرى هذه القوانين تمثل تهديداً خطيراً لحرية التعبير لدى المواطنين الأميركيين. وفي إعلانه الصادر في 20 أكتوبر، ذكر الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أن المقاطعة التجارية جزء من التاريخ الأميركي. ففي ثورتهم ضد بريطانيا قبل 250 عاماً، قاطع الأميركيون المنتجات البريطانية بغرض الضغط على لندن لقبول الاستقلال الأميركي. وفي الولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي، أصدرت المحكمة العليا قراراً بشأن مقاطعة منظمات الحقوق المدنية الأميركية السوداء للشركات التي تميز ضد المواطنين السود في ولاية ميسيسيبي. وقررت المحكمة العليا أن المقاطعة هي نوع من التعبير السياسي الذي يحميه الدستور. فهل هذا صحيح في ظل قوانين منع المقاطعة؟
القضية التي يطرحها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية الآن تأتي من صحيفة محلية في ولاية أركنسو، أرادت عقداً للإعلان من الجامعة المحلية في الولاية. وقبل أن تتمكن من إبرام العقد، طالبت ولاية أركنسو الصحيفة بالتعهد بعدم مقاطعة إسرائيل، بموجب قوانينها. واعترض رئيس تحرير الصحيفة، وهو شخصية محافظة، على الأمر من حيث المبدأ، وذكر أن صحيفته تركز على الأخبار المحلية ببلدة في أركنسو. وتساءل: لماذا يحتاج إلى التعهد بشأن الشرق الأوسط البعيد عن أركنسو وليس محل اهتمام الصحيفة؟ وشدد على أن الصحيفة لا تقاطع أي جهة، لكن ليس من حق الحكومة إلزام صحيفته باتباع خط سياسي معين، أو اختيار تنفيذ المقاطعة من عدمه.
وعلّق رئيس تحرير الصحيفة بأنه لم يوجه اللوم للحكومة الإسرائيلية لفعل كل ما في وسعها لحماية المصالح الإسرائيلية، لكنه توقع من السياسيين الأميركيين الضغط باتجاه الدفاع عن حقوق المواطنين الأميركيين. وفاز رئيس التحرير، من خلال عمله مع محامين من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، بقضيته ضد قانون منع المقاطعة في المحكمة الابتدائية، غير أن حكومة الولاية استأنفت الحكم لدى المحكمة العليا. وكانت المحكمة العليا قد أصدرت، في وقت سابق من شهر أكتوبر، حُكماً يقضي بأن المقاطعة تدبير تجاري خاص، وعليه، فإنها ليست تعبيراً سياسياً، ما يؤكد القانون المناهض للمقاطعة في ولاية أركنسو. والآن، قد تُرفع القضية إلى أعلى محكمة لتُقرر ما إذا كانت مقاطعة إسرائيل قراراً سياسياً حراً في الولايات المتحدة من عدمه.