وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

أميركا والسعودية... إلى أين؟

في مثل هذا اليوم، الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) (وفي رواية التاسع عشر من أكتوبر)، وقبل 49 عاماً اتخذ الملك فيصل قراراً بحظر تصدير النفط السعودي بعدما علم بالمساعدات الأميركية المقدمة لإسرائيل في حربها مع الشقيقة مصر.
هذا القرار سبقه قرار من الدول العربية الأعضاء في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك)، باستخدام النفط كوسيلة للتأثير على الغرب الداعم لإسرائيل. ودامت هذه المقاطعة بين أكتوبر 1973 ومارس 1974.
ورغم أن هذه المقاطعة تمت على مستوى (أوابك) فإن ذكراها لا تزال مرتبطة في ذهن وذاكرة الغرب بمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي كان لها كذلك تاريخ حافل بالسجال والصدام مع الولايات المتحدة.
فمنظمة أوبك ذات الـ62 عاماً، أنشئت بهدف التصدي لنفوذ الشركات الغربية (غالبيتها أميركية) التي كانت تتحكم بمصير ودخل الدول المنتجة للنفط.
لم تكن أوبك تتلقى أي اهتمام في بدايتها، وعلى حسب بعض الروايات كان عدد الصحافيين الذين يحضرون لمؤتمراتها الصحافية في بداية الستينات إلى مطلع السبعينات متواضعاً (في بعض المرات لا يتجاوز 3 إلى 4 مراسلين). ولكن بعد المقاطعة النفطية العربية للغرب وما تلى ذلك من ارتفاع في أسعار النفط، أصبحت أوبك في قلب الاقتصاد العالمي، وأصبحت مؤتمراتها قبلة لعشرات المراسلين من كل أنحاء العالم.
كانت المقاطعة النفطية نقطة تحول كبيرة في تاريخ أوبك وصدامها مع الغرب، خاصة بعد ارتفاع أسعار الوقود في المحطات بشكل جنوني. ومن هنا بدأت الحكومات تتخذ العديد من الإجراءات لعدم تكرار ما حدث.
ومرت السنوات وتجاوزنا في دول الخليج تلك المرحلة وذلك التفكير، ولكن الولايات المتحدة لم تتجاوزه، وما زال السياسيون هناك يتذكرون محطات الوقود في 1974 وكيف كانت السيارات تصطف للحصول على الغازولين.
هذا التفكير العدائي لا أتوقع أن يتغير من قبل الجيل الذي يحكم أميركا حالياً، فهو جيل نشأ على كراهية أوبك واعتبار السعودية حليفاً طالما تساعد رؤسائها على إرضاء الناخبين من خلال خفض أسعار النفط وبالتالي الوقود.
لقد كان ذلك ممكناً في عصر كانت أوبك تتحكم فيه بأكثر من نصف الإنتاج العالمي للنفط عندما كان الاتحاد السوفياتي خارج الحسابات النفطية. وعندما كانت السعودية هي المنتج المرجح في أوبك. أما اليوم، فلا تستطيع دولة مثل السعودية تغيير مسار أسعار النفط لوحدها. إن إنتاج السعودية لا يتجاوز 10 في المائة من الحجم العالمي، وإنتاج أوبك مجتمعة لا يتجاوز 30 في المائة.
في ذلك العصر كان ممكناً للسعودية أن تحاول منفردة بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، لأن تكلفة إنتاجها كانت وما زالت منخفضة. أما اليوم فهناك صناعة كاملة تعتمد على أسعار نفط عالية وليست السعودية فقط.
من التسطيح التفكير بأن متوسط تكلفة البرميل في السعودية هي أقل من 10 دولارات، وبالتالي السعودية تستطيع العيش على نفط بعشرين دولاراً فلماذا إذن يتم تداوله عند 90 دولاراً؟
هذه تفسيرات السياسيين وليست الاقتصاديين ولا النفطيين. اقتصادياً، ما يحدد سعر النفط اليوم هم المنتجون الهامشيون (أي آخر البراميل التي تدخل إلى السوق). منتجو النفط الصخري تحت هذه الفئة ولهذا يحتاجون لنفط فوق 70 دولاراً في هذه الظروف لزيادة الإنتاج بسبب سلاسل الإمدادات والتضخم وارتفاع تكاليف الدين عليهم مع ارتفاع الفائدة.
ولهذا إذا ما أرادت الولايات المتحدة مواصلة إنتاجها واعتمادها الذاتي على النفط فيجب عليها فهم أن الأسعار لا يمكن أن تكون منخفضة.
ثانياً، من كان يحدد سعر البيع في السبعينات هي الدول المنتجة في أوبك، أما اليوم فالسوق يحدد السعر، ونفط أوبك يتم تسعيره على برنت وخامات دبي وعمان وغيرها من الخامات التي تتداول بشفافية في السوق.
ثالثاً، الدول المنتجة لديها ميزانيات، ولهذا فهي تتضرر كثيراً من خفض الأسعار وهذا ليس في مصلحة الاقتصاد العالمي.
رابعاً وهو الأهم، أن مستقبل العالم لا يزال مرهوناً بالوقود الأحفوري، ولو أراد العالم الحصول على طاقة بسعر أقل في المستقبل فيجب أن تكون هناك استثمارات عالية اليوم في الإنتاج وهذه لن تكون في ظل أسعار نفط منخفضة يضعها السياسيون ويحددونها لا السوق والشركات.
واليوم بعد قرار تحالف «أوبك بلس» (الذي يضم السعودية وروسيا ودول الخليج باستثناء قطر) بخفض إنتاجه، رجعت العدائية الأميركية إلى أوبك والسعودية وعدنا لتصريحات عام 1974. إن التحالف هو الذي يقود السوق العالمية وينظمها، ولولاه لانهارت أسعار النفط قبل سنوات ولأصبح الإنتاج الأميركي العالي خارج سياق التاريخ، ولولا التحالف كذلك لارتفعت أسعار النفط بشكل جنوني منذ أشهر مثل الارتفاع الجنوني في أسعار الفحم والغاز، ولكن التحالف أبقى على الزيادة في مستوى معقول.
على أميركا أن تعيد تفكيرها لا السعودية، وليست المسألة هنا مرتبطة بتضخم الأنا السياسية لدى السعودية، ولكنها مرتبطة بعجز أميركا عن فهم الواقع أو تجاهله.
السعودية دولة حليفة لأسباب استراتيجية، بينما أميركا لا تتصرف كحليف منذ سنوات، وتحديداً منذ أن أصبح النفط الصخري محركاً أساسياً لها.
هل يجب أن نخشى عقوبات أميركا وقانون «نوبيك»؟ أتصور أن الأمور لن تذهب بهذا الاتجاه لأن هذا سيضر بسوق الطاقة العالمية، وبالتالي يضر بمستقبل وازدهار اقتصاد العالم والولايات المتحدة.
العلاقة السعودية - الأميركية رغم تقلباتها يجب أن تبقى لمصلحة العالم بدلاً من أن تنحني لسحابة «انتخابات» خداعة.