سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

المرأة الثالثة

خلال ستة أسابيع من وصولها إلى 10 داونينغ ستريت أحاطت بها جملة من الأحداث التي تجري عادة خلال عام على الأقل. تعجّلت ليز تراس في سعيها إلى إثبات قدرة المرأة على الإنجاز. كما تعجّلت السعي إلى أن تتجاوز شهرة السيدتين اللتين سبقتاها إلى الحكم، مارغريت ثاتشر وتيريزا ماي. ومن كثرة الاستعجال يبدو أن السياسة البريطانية سوف تذهب بها مبكراً إلى نهاية الحكم.
المعارك السياسية في بريطانيا جزء من الحياة اليومية. ويتعرض رئيس الوزراء عادة إلى المساءلات في مجلسي اللوردات والنواب، بقدر الاستجوابات التي يتمتع بها نوّاب الكويت. ولا نسمع عادة عن هذه الوتيرة من الحيوية البرلمانية، في الجارة فرنسا أو الجارة الأخرى ألمانيا، حيث دام حكم السيدة ميركل نحو 14 عاماً.
خلال 6 أسابيع، رافق مجيء المسز تراس رتْل من الأحداث الجَلَلْ: غياب إليزابيث الثانية الذي تحول إلى جنازة عالمية، ومن ثم سقوط الجنيه الإسترليني على نحو كارثي، ثم إقالة وزير الخزانة، الذي هو الرجل الثاني في الحكومة، وإلى المزيد من الفرق في الأضرار التي سببتْها جائحة «كوفيد – 19». كل ذلك بدا تحدّيات كبرى أمام السيدة التي حلمت بأن ينسى مواطنوها تلك الولاية المدهشة التي تركتها مارغريت ثاتشر في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية.
الحقيقة أن مشكلة السيدة تراس تكاد تكون عامة عند المرأة الأوروبية. يكاد عدد النساء في الحكم يزيد على عدد الرجال. والرجال بدورهم يبدون متعبين وضُعفاء أمام المدّ النسائي الذي بدا حالة فردية عندما جاءت المسز ثاتشر، وتطور إلى أن يبدو حكم النساء حالة عادية لا مفاجآت فيها.
المسز تراس إخفاق غير متوقّع في مسيرة النساء. وقد يؤدّي هذا الإخفاق إلى انتكاسة المرأة السياسية في كل مكان، خصوصاً أن تجربة تيريزا ماي لم تكن ناجحة هي أيضاً. وقد بدا حكمها ضعيفاً طوال ثلاث سنوات، رغم السيرة السياسية الباهرة التي كانت تتمتع بها قبل الوصول إلى داونينغ ستريت. ويبدو أن السياسة لا رحمة فيها في أي مكان، وخصوصاً في الدول الديمقراطية، حيث تُستغل الممارسة الديمقراطية، إلى درجة مضحكة أحياناً. ومن المؤكد أن المحنة التي وقعت فيها المسز تراس، لا علاقة لها بحرب الأجناس في بريطانيا، فقد تجاوزت الشعوب تلك المرحلة بكل وضوح. واحتلت النساء مرتبة المساواة عند الناس. وتشغل المرأة اليوم معظم المناصب التي كانت محظورة عليها من قبل، في الشركات الكبرى والمشاريع الضخمة. ولا تظهر هذه الحقيقة في حقل واحد، بل في سائر الحقول. وربما يكون الحظ السيئ هو مشكلة السيدة تراس، وليس الافتقار إلى الكفاءة التي تتمتع بها.