د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«السخاء الأميركي»... ثقافة أم تكتيك؟

دخل الرئيس الأميركي مطعماً مكسيكياً شهيراً في جنوب كاليفورنيا لشراء وجبة دجاج كاساديا. وعندما حاول جو بايدن دفع الفاتورة قدّم له النادل خصماً وقدره 50 في المائة. فصار المبلغ بعد الخصم 16.45 دولار، لكن الرئيس أبى إلا أن يدفع 60 دولاراً أميركياً. وتناقلت وسائل الإعلام فرحة النادل على ما يبدو بـ«الإكرامية» أو الـTips، لكن الرئيس اشترط أن يكون ذلك المبلغ جزءاً من فاتورة مجانية يأكل بها الزبون التالي!
هذا الشرط ذكّرني بالاختلافات الثقافية، فبعض أفراد الشعوب لا يحبذون أن يشترطوا عند التبرع أو عند الإقدام على مشروع خيري يبهجون به قرية محتاجة مثلاً. لكن في الثقافة الأميركية تعتبر هذه الأمور طبيعية وربما تعد «كياسة» كما حدث مع الرئيس الأميركي، لأنه أضاف البهجة لزبون آخر وسجل موقفاً لطيفاً يبدو أنه كان بحاجة إليه إعلامياً في الآونة الأخيرة.
تصرف الرئيس الأميركي في مطعم «تاكوز 1986»، قبل بضعة أيام، ذكّرني أيضاً بقانون الإعارة والتأجير Lend - Lease الذي أطلقه الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت عام 1941 لنصرة حلفائه البريطانيين والفرنسيين وغيرهم الذين استنجدوا به إبان الحرب العالمية الثانية، فوافق على أن تبقى أميركا على الحياد لفترة ما (فعلته أميركا مؤخراً مع أوكرانيا). وبالفعل قدم القانون القديم عتاداً عسكرياً هائلاً وغير مسبوق خارجياً منه نحو 55 مدمرة أميركية، لكن القانون اشترط في المقابل عقوداً إيجارية لمدة 99 عاماً للقواعد البريطانية في منطقة الكاريبي ونيوفاوندلاند التي ستستخدم كقواعد جوية أميركية. وعندما تتعمق في أدبيات ويوميات الأميركان تجد أن مبدأ win - win أو الحلول المُرضية للطرفين موجود، سواء في بذل الخيرات أو دهاليز السياسة أو «البزنس» وإن كانت الكفة ترجح للأقوى كما تروي لنا صفحات التاريخ.
ويبدو أن هذا السخاء الأميركي نابع من ثقافة نجدها في حجم أطباق أطعمتهم، ومشروباتهم العملاقة التي يكفي طلب واحد منها لثلاثة أشخاص، لكنك عندما تغادر المطعم يتوقع منك النادل أكبر «بخشيش» في قائمة الشعوب بلا منازع.
إن مشكلتنا في عالم السياسة والأعمال والإدارة عموماً، أننا نريد شيئاً ولا نجاهر به، فكيف يمكن أن يخمن الآخر مطالبنا؟ ولذلك عندما تَبَحَّرَ العالم الشهير Hall في اختلافات الشعوب في التواصل، وجد أن الغربيين أكثر صراحة من الشرقيين (منهم العرب) في تحديد ماذا يريدون بالضبط من الآخر، ويكتبونه بكل وضوح منعاً للبس. ولا يستندون كما يفعل بعض العرب إلى مبدأ الثقة أو ذكاء المتلقي في التخمين! هذه الفجوة الثقافية تحتاج إلى أن نتأملها جيداً عندما نتعامل مع الشعوب بشتى أنواعها.