علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

العقاد الجبار... ضرب وركل وصفع!

في الجزء الأول من سيرته الذاتية، «سيرة حياتي»، قال عبد الرحمن بدوي عن عباس محمود العقاد: «فكتب العقاد مقالات ضد الإخوان المسلمين، لكن هؤلاء سكتوا ولم يحرّكوا ساكناً. ثم انكفأ بعد ذلك يهاجم (مصر الفتاة). فلمَّا كتب أول مقال، تشاورنا في (مصر الفتاة) بماذا نرد. فرأى صبيح أن يكون ذلك بالرد القاسي في مجلة (مصر الفتاة)، وكتب فعلاً مقالاً بعنوان (العقاد جهول يريد أن يعلّم الناس ما لا يعلم). فكتب العقاد مقالاً آخر أشد وأعنف. وكان من رأيي أن العقاد يرحّب بالمقالات؛ فلا علاج له عن هذا الطريق، بل لا بد من استخدام العنف معه، لأنه لا يردعه غير العنف. وأخذ برأيي اثنان من أعضاء الحزب، أحدهما هو الذي كان قد أرهب قاضي الإحالة، فتربصا للعقاد وهو عائد إلى بيته رقم (13) شارع (سليم) في مصر الجديدة، وانهالا عليه بالضرب والصفع والركل، وأفهماه أن هذا تأديب مبدئي بسبب مقالين ضد (مصر الفتاة)، فإن عاد، عادا إليه بما هو أشد نكالاً. وأحدثت هذه (العلقة) أثرها الحاسم، فخرس العقاد خرساً تاماً، ولم يعد إلى الكتابة ضد (مصر الفتاة)».
استقبل عدد من المثقفين المصريين هذه السيرة بعد صدورها في عام 2000 بالنقد القوي الصريح لها ولصاحبها عبد الرحمن بدوي، أشهر مؤلف في مجال الفلسفة والأغزر تأليفاً فيها وعنها في العالم العربي، لأنه سب وذم الأسماء التي ذكرها في سيرته. ولم ينجُ من مذبحة السب والذم فيها سوى خمسة أسماء، التي (بحق) هي الأسماء الناجية التي ليس لها مسمى فرقة دينية!
رجاء النقاش كان من هؤلاء المثقفين المصريين الذين جابهوا عبد الرحمن بدوي وسيرته ذاتية بنقد قوي صريح في مقال نُشِر بجريدة «الأهرام»، تحت عنوان «علقة للعقاد».
ومما قاله في هذا المقال: «فهو أمر يثير في النفس أشد الأسف، ويزداد هذا الأسف عندما نجد الدكتور بدوي يذكر هذه الحادثة من دون أن يخجل منها، أو يعتذر عنها، فيرويها في مذكراته كأنها من إنجازاته وبطولاته. وكان من الأنسب والأكرم له أن يعتذر عن (العلقة) التي تعرّض لها العقاد باقتراح منه، بدلاً من أن يرويها في مذكراته بفخر واعتزاز. بل كان عليه أن يخجل من هذه الحادثة؛ فهي حادثة لا تسيء إلى العقاد في شيء، بل فيها إساءة كبيرة للدكتور بدوي قبل سواه».
لكن تلميذ العقاد المتعصب عبد اللطيف عبد الحليم له رأي مختلف، وغريب أن يصدر من مثله، شاعر وناقد ودارس ومحقق ومترجم وأستاذ جامعي، يقول: «ولم يستطع بدوي أن يقول في العقاد كلاماً وهو حي، فاغتنم رحيله وكتب ما كتب في مذكراته، ومنها حديث (العلقة) الذي علّق عليه رجاء النقاش، ووقف موقف الحذر والحيطة، وكان مبلغ قوله: ماذا لو صنع أحد خصوم بدوي ما صنعه بدوي مع العقاد، وضرب أستاذ الفلسفة (علقة)؟ وقد رويت كلمات رجاء بالمعنى، فليس النص أمامي الآن، وكان أولى بالأستاذ رجاء - وهو مَن هو حصافةً - أن يستنكر هذه الرواية جملة وتفصيلاً، لسبب بسيط جداً، هو أن العقاد لا تثنيه (علقة) عما يعتقده ويبوح به، ولم يثنه السجن، وهو أشد وأنكى، ولو كانت وقعت هذه الحادثة لما خفيت هذا الخفاء، خاصة أن العقاد لا يعيش هملاً في قرية من قرى النمل، وحديث (العلقة) كان لا بد أن يذيع وأخفت منه سرّاً ينتشر، وخصومه يتربصون به فيذيعونه من قبيل النكاية والمعايرة».
إنه يرى أن «العلقة» تسيء إلى العقاد لا إلى عبد الرحمن بدوي، لو صحّ ما رواه عبد الرحمن بدوي عنها!
لذا فهو ينفي الواقعة نفياً قاطعاً. ويأخذ على رجاء النقاش - استناداً إلى حصافته - أنه لم يستنكر رواية عبد الرحمن بدوي جملة وتفصيلاً!
ولأنه منشغل بالنفي القاطع لأن يتعرض العقاد للضرب المبّرح، حتى لو أن اللذين قاما بذلك شابان يافعان مفتولا العضلات أهمل ما قاله عبد الرحمن بدوي عن العقاد قبل أن يروي قصة «العلقة» التي تعرض العقاد لها. فقد قال عنه: «كان العقاد طول حياته مأجوراً لحزب من الأحزاب؛ الوفد (حتى سنة 1935) وخصوم الوفد (من 1935 حتى 1938) والسعديين (من سنة 1938 حتى سنة 1950)، كما كان مأجوراً لبريطانيا (طوال مدة الحرب: 1939 إلى 1945 على الأقل)، يستخدم سلاطة لسانه، وما يزعمه لنفسه من قوة عارضة في التطاول على خصوم من يستغل للدفاع عنهم». فهو لم يأبه بصد هذا التهمة المجحفة على ما فيها من قدر كبير من الافتراء والتجني على العقاد. فالمهم والأهم عنده هو أن العقاد هو شمشون الجبار الذي يستحيل أن يكون عرضة لضرب وصفع وركل!
لفهم موقف عبد اللطيف عبد الحليم النفسي والعقلي في رفض صحة ما رواه عبد الرحمن بدوي عن تدبيره «علقة» للعقاد حتى يكف هجومه عن حزب «مصر الفتاة»، يجب أن نستعين بما حكاه لويس عوض، وهو في سن الثالثة عشرة، عن تصوره للعقاد، في مقال رثاه فيه بعد وفاته في جريدة «الأهرام»، عنوانه: «موت هرقل وسيرة عقل».
يقول لويس عوض: «فلما أقام محمد محمود ديكتاتورية (اليد الحديدية) عام 1928، وعطّل دستور 1923 إلى أجل غير مسمى، بلغ الشعور مداه، وتجلّى أمامي العقاد كهرقل الجبار الذي كان يسحق بهراوته الشهيرة الأفاعي والتنانين والمردة، وكل عناصر الشر في الحياة. وفتنت بالعقاد فكنت أخرج لاهثاً كل مساء نحو السابعة إلى محطة السكة الحديد بالجلباب والشبشب لأشتري (البلاغ) عند نزوله من القطار قبلما تنفد أعداده».
من المشهور أن زعيم الوفد سعد زغلول لقّب العقاد في ميدان الكتابة السياسية بالكاتب الجبار، وقد أكد زكي مبارك أن العقاد رواه لمريديه بعد وفاة سعد زغلول! وقد قيل إنه كان يطلق في حياته هذا اللقب على أحمد عبد القادر حمزة.
وما يعنيني في هذا اللقب الشائع عنه - فلست بصدد البحث في هذه المسألة - أن تلاميذه رأوه جباراً في قوة الكتابة، وجباراً في القوة الجسمانية، وساعدهم في الوهم الأخير أنه مديد القامة. فهو عندهم في هاتين الناحيتين مصارع لا يقهر. أو هو كهرقل البطل الأسطوري الإغريقي الروماني، كما آمن بذلك لويس عوض، وهو طفل وغلام وشاب.
لكن عبد اللطيف عبد الحليم، وهو يعتب على رجاء النقاش بأنه لم يستنكر رواية عبد الرحمن جملة وتفصيلاً، لم يلجأ إلى الحجة الهرقلية الخارقة، وإنما استعمل حجتين عقليتين هما:
الأولى، حجة السجن التي ذكر فيها أن السجن لم يثنِ العقاد عن موقفه الذي دخل السجن بسببه. وادعى في هذه الحجة أن السجن أشد وأنكى من «العلقة».
الأخرى، أن حادثة كهذه لو وقعت لا يمكن أن تخفى على الناس، لأن العقاد من المشاهير وليس من المناكير. وكان له خصوم يتربصون به الدوائر.
ما كان أغناه عن استعمال حجة السجن، لأنها حجة مثلومة. فهو سجن تسعة أشهر عام 1930 بتهمة العيب بالذات الملكية. والسجن ثناه، بدليل أنه بعد خروجه من السجن لم ينبس بكلمة ناحية الملك فؤاد، ولو بالتلميح، مع أنه في القصيدة التي ألقاها في زيارته لضريح سعد زغلول تعهد بأن يكون كما كان قبل السجن، أي مستمراً في مناوأة الملك فؤاد وملاحاته.
وبحكم انضمامه لحزب السعديين كان من المؤيدين للملك فاروق في مواجهة خصوم القصر. وزاد على ذلك بأن كتب مقالات وقصائد مديح في الملك فاروق مبالغاً بها، وأغضبه أنه لم يُنعم عليه برتبة البكوية.
يعلق فتحي رضوان في كتابه، «عصر ورجال»، على هذا الأمر، فيقول: «كان العقاد جديراً بأن يعرف أن الملك فاروق، وقد سب هو أباه، وأن مستشار الملك (يقصد علي ماهر) وقد سبَّه كذلك، لا يحبان أن ينسيا له إساءته لهما، ولن يمنحاه رتبة الباشوية أو البكوية، وكان أليق به أن يتجمل بضبط النفس، ولا يثور ثورة مضرية لحرمانه من اللقب، وهو الأديب الذي يزهو بمكانته الأدبية بين مواطنيه، وبعزة القلم، وسلطان أهل الفكر، ولكن العقاد لم يبذل جهداً في إخفاء غضبه، بل إنه أسرف في إظهاره إلى حد بلغ معه صوته آخر الدار».
وليس صحيحاً أن السجن كان أشد وأنكى من «العلقة» التي تعرض لها على نحو مفاجئ؛ فالمحكمة التي قضت بسجنه مع محمد فهمي الخضري صاحب جريدة «المؤيد» حددت بقرارها الآمر بذلك نوع السجن بأنه سجن بسيط. ففي السجن كان معزَّزاً مكرماً، ولم يتعرض لعنف في جسده، ولا لمضايقة أو اضطهاد نفسي ولا لإهانة في اللفظ. وفي السجن كان مزهواً بنفسه، لأنه في خارجه كان ممجَّداً بوصفه بطلاً سياسياً.
زاره في السجن علي ماهر وزير الحقانية (العدل) في حكومة إسماعيل صدقي - وهي الحكومة التي ناصبها وكثيرون غيره العداء - فتعمد العقاد أن يستقبله وهو مستلقٍ على السرير، مادّاً رجليه إلى الأمام، وجاعلاً حذاءه في وجه الوزير. فتجاهل الوزير إهانته المتعمدة، وألقى عليه التحية، وتشامخ العقاد أن يرد التحية عليه، معتقداً أن زيارته زيارة شماتة به، وليست زيارة اطمئنان عليه.
معاناة العقاد الوحيدة في السجن هي في تقييد حريته في مساحة صغيرة محدودة.
فما توفر له في السجن افتقده في تلك «العلقة» الآثمة والسافلة التي تلقاها من شابين هائجين اللذين «أفهماه أن هذا تأديب مبدئي... فإن عاد، عادا إليه بما هو أشد نكالاً».
وليس صحيحاً أيضاً أن حادثة كهذه لا تخفى؛ فهناك حوادث تخفى سواء أكان أصحابها من المشاهير أو من المناكير، إذا لم يُفشِ أمرها واحد من أطرافها. وهذه الحادثة كتم أمرها المجني عليه (العقاد) والشابان الجانيان ومقترحها عبد الرحمن بدوي وبقية أعضاء حزب «مصر الفتاة»، أحمد حسين ومحمد صبيح وسواهما.
وهذان الشابان الجانيان - كما يروي عبد الرحمن بدوي - سبق لهما إطلاق النار في الهواء أمام قاضٍ بعد غروب الشمس، وهو يتريَّض في شارع بمصر الجديدة قريب من منزله إرهاباً له، حتى لا يحوّل أحمد حسين إلى محكمة الجنايات، بتهمة تحريض شباب «مصر الفتاة» على تحطيم بعض الحانات في القاهرة والإسكندرية. ومع أن هذا القاضي تعرَّف على وجهيهما حين أحضر له خمسة عشر شاباً من شباب «مصر الفتاة» الذين يُشتبه فيهم القيام بهذه العمل «رأى هذا القاضي - بحصافة وتحوط - أن الأفضل له ألا يتعرف على أحد طلباً للعافية».
هذه القصة ذكرها مفاخراً بها، لأنها كانت استجابة فورية من شباب حزب «مصر الفتاة» لمقاله: «لقد قتل كودريانو زعيم القمصان الخضراء في رومانيا».
وكورنيلو كودريانو - كما يقول عبد الرحمن بدوي في التعريف به وبحركته - كان «مؤسس حركة الحرس الحديدي في رومانيا. وكان برنامج هذه الحركة شبيهاً ببرنامج حركة (مصر الفتاة)، إذ كان مزيجاً من الوطنية المتطرفة والنزعة الدينية المتأصلة... قامت الحركة بعدّة اغتيالات سياسية... واغتيال بعض القضاة الذين تولوا محاكمة كودريانو».
قال عن الشابين اللذين أرهبا القاضي: «وأذكر أن الشابين اللذين قاما بذلك جاءا إليّ في اليوم التالي - وكانت الصحف قد نشرت الخبر - وقالا لي: ها نحن أولاً، طبقنا ما جاء في مقالك عن كودريانو!!».
فاقتراحه باستخدام العنف اليدوي مع العقاد جاء في هذا السياق المفاخر بالجدوى العملية لخطّه السياسي الثوري العنيف، وليس لأنه «اغتنم رحيله وكتب ما كتب في مذكراته».
إن الذي يقرأ هذا الفعل، فعل «اغتنم» في هذه الجملة، وهو لا يعرف عن العقاد شيئاً، سيعتقد أن عبد الرحمن بدوي كتب ما كتب عن العقاد، وعام وفاته لا يزال عاماً طرياً وحديثاً، ولن يدور بخلده أنه قد مرّ عليه ما يزيد على ثلث قرن.
ولعل استعماله لهذا الفعل الماضي لم يأتِ اعتباطاً، فالزمن يخيّل لي عنده بعد وفاة العقاد يكاد يحرن؛ فهو يمشي أبطأ من بطء مشي السلحفاة، وحسابه انقلب، فصارت عقوده بضعة أشهر وبضعة أيام!
كان يجدر بعبد اللطيف عبد الحليم لتفنيد ما رواه عبد الرحمن بدوي عن تدبيره «علقة» للعقاد التي أقضت مضجعه العنتري، أن يذهب إلى أرشيف مقالات العقاد الصحافية في عام 1949، وينظر في مقالاته عن حزب «مصر الفتاة»، ليتأكد من صحة ما رواه عبد الرحمن بدوي: هل هو هاجمه في مقالين فقط، أم أنه هاجمه في عدة مقالات؟
وإن وجد أن الهجوم كان في أكثر من مقالين يُسوغ له أن يشكك في روايته، وإن وجد أن ما قاله صحيح، يسلِّم بروايته على مضض.
هذا هو الأسلوب العلمي الصحيح، وليس أن يكتفي بالتوكؤ على عصا الزخارف اللغوية والإنشاء البلاغي بلا معلومة ووثيقة.
وآفته في محاججاته عن العقاد هي في هذا العصا الذي بها يهش، ومع هذا العصا مروحة خطابية بها ينش.
فاعتماداً على هذا الأسلوب غير العلمي، راح يذكر لرجاء النقاش قضية سجن العقاد، مع أن رجاء النقاش أدرى منه بتاريخه السياسي، وهذا ما ينطق به كتابه القديم، «عباس العقاد بين اليمين واليسار». كما أن رجاء النقاش أدرى منه بتاريخ العقاد في الجوانب الأخرى، وأعرف منه بمقالاته وبمؤلفاته وبموضوعاته.
إن تعصبه لأستاذه العقاد لا يهبه - بعرفانية صوفية - الدراية والمعرفة الأكثر به من غيره، ولا يمنحه حق الصلف في محاججاته عنه.
لقد عزب عن علمي معنى قوله: «ووقف موقف الحذر والحيطة، ماذا لو صنع أحد خصوم بدوي ما صنعه بدوي مع العقاد، وضرب أستاذ الفلسفة؟».
فرجاء النقاش في مقاله، «علقة للعقاد»، أدان بكلمات كثيرة ما فعله عبد الرحمن بدوي بالعقاد، ومنها عده أسلوبه أسلوباً ساقطاً في مواجهة الفكر بالعنف. فهو لم يحذر ولم يتحوط في إدانته.
إن جملة «موقف الحذر والحيطة» يقصد بها غير معنى إدانة الواقعة الهمجية، التي كان وراءها عبد الرحمن بدوي؛ فهو يقصد بها تسليم رجاء النقاش بأنها - فعلاً - قد وقعت، الذي على أساسه سأل عبد الرحمن بدوي بمنطق العدل: هل يرضى لنفسه أن يحدث له مثل الذي حدث للعقاد بسببه؟
أما قوله هو: «إن العقاد لا تثنيه علقة عمّا يعتقده ويبوح به»، فهو لا يعني تسليمه بصحة الواقعة، وإنما قاله من باب التسليم الجدلي المؤقت بالمحال لنقضه.
فهو في هذا القول لم يصرح بأن الواقعة لو كانت صحيحة لأوسع العقاد الشابين ضرباً وركلاً وصفعاً. وقد صرح بمثل هذا تلميذ عتيق للعقاد؛ فلقد قال العوضي الوكيل في كتابه «قضية السفّود بين العقاد وخصومه»: «وإذا كان لنا من تعقيب على هذه القصة، فهو أن الرافعي يروي أنه همَّ أن يهجم على العقاد فحال بينهما صروف، والعقاد في ذلك الحين (حوالي سنة 1927) كان قوياً مهيباً صارم المهابة - على العكس من الرافعي، الذي كان ضاوياً هزيلاً مريضاً كثير الشكوى من المرض إلى أصدقائه، ومنهم الشيخ أبو رية - فلا نحسبه يجرؤ على هذا البراز الذي لا تؤمن عاقبته».
علماً بأن الرافعي يجرؤ على هذا؛ فهو مصارع ورافع للأثقال. وله - كما حدثنا تلميذه محمد سعيد العريان في كتابه «حياة الرافعي» - صورة تمثله في زي أبطال الرياضة، عاري الجسد، بارز العضلات.
وكانت عنايته بالرياضة - كما قال - من أسباب قوته البدنية، ومن أسباب قوته العصبية أيضاً.
وزيادة على ذلك هو أصم، لن يسمع صراخك ونحيبك؛ فكيف تكتب له على ورقة - وهو يبرحك ضرباً - توسلاً بأن يكف عما يصنعه بك.
إن عبد اللطيف عبد الحليم لو قرأ في مقال رجاء النقاش «محامي العباقرة» أنه سمع أحد الشيوعيين التقى بالعقاد مرة، وحاول الاعتداء عليه بالضرب، لرد عليه بخيلاء عقادي: ليت محاولته نجحت، لكان العقاد طرحه أرضاً، وفلق رأسه بقبضته الحديدية، ولتاب بعدها عن الشيوعية!
وللحديث بقية.