إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

مواطن شرف

سمير أمين جزائري يعيش في فرنسا ويكتب بالفرنسية روايات رائجة. حصل على «نوبل» من دون أن تغيّر الجائزة الكثير من مجريات حياته. يزدحم بريده بعشرات الدعوات لملتقيات ثقافية لكنه زاهد في كل شيء. لا يقلقه سوى أن الكتابة باتت تعانده. لم يعد لديه ما يستثيره ليكتب عنه... إلى أن يحمل له البريد رسالة من نوع مختلف. دعوة من بلدية سيدي ميمون، البلدة التي ولد فيها. يريدونه هناك لكي يمنحوه صفة مواطن شرف.
هذه هي فكرة الفيلم الفرنسي الجديد الذي أخرجه محمد حميدي ويؤدي الدور الرئيسي فيه كاد مراد. كوميديا تمشي يداً بيد مع التراجيديا، مثل أحوال بلداننا. وقف الكاتب أمام ملك السويد في حفل «نوبل»، شبه معتذر عن فوزه بها. يقول في خطبته إن هناك ثلاثين أديباً أحق منه بها. يعترف بفضل اللغة الفرنسية التي قادته إلى تلك المنصة. يتمنى أن تكون جائزته رسالة أمل إلى كل أطفال العالم.
هل يذهب ليصبح مواطن شرف في قريته؟ يخشى أن يواجه ماضياً تفصله عنه عقود من الزمن. يركب الطائرة ويحييه الطيار عبر مكبر الصوت. ينهض الركاب ليلقوا نظرة على المسافر العجيب. ينزل في مطار لا يعرفه فيه أحد. في الخارج يقف أحد رفاق الطفولة يستقبله حاملاً لافتة ترحيب. لكن ميلود، رفيق الطفولة، صار كهلاً وسقط شعره، مثلما اكتهل هو واتسعت صلعته.
في سيدي ميمون يحتفلون به مثل عريس. يطوفون به مع الطبل والمزمار. يقوم زبائن المقاهي والحلاقين ويلحقون بالزفة. يلقي رئيس البلدية خطبة رنانة ويعلق على صدره ميدالية مواطن الشرف. يعود إلى فندقه البسيط سيراً على القدمين. يتصل بابنه في باريس ويشاركه فرحته. يحضر في اليوم التالي ندوة مع الطلبة. تقف سلمى وتقول إنها قرأت كل رواياته وتهاجمه لأنه ترك موطنه ونجا بنفسه. تعجبه جرأتها ويستعيد شريط ذكرياته. اعتقلوه وأهانوه بعد مظاهرة طلابية. سافر وقرر ألا يعود.
تعلن البلدية عن مسابقة في المواهب مع هدية مالية من صاحب «نوبل». تشارك سلمى في المسابقة وتقدم وصلة من غناء «الراب» تكشف يأس الشباب وتفضح الفاسدين. وضعت كل هموم البلد في سلة وقذفتها في وجه مواطن الشرف. تجتمع لجنة التحكيم برئاسته ويكون رأيه أن سلمى هي الأحق بالجائزة. يعترض رئيس البلدية ومدير النشاط الثقافي. يصر على رأيه وتنالها سلمى. ينتقمون من جرأتها بفصلها من الدراسة. يدعوه ميلود صديق طفولته للذهاب إلى وهران. يشاركان في مظاهرة ينظمها الشباب هناك، يطالبون بفرص العمل. وفي وهران يلتقي بحبيبة الصبا. ناضلا سوياً وهاجر هو وصارت هي طبيبة. تكرر عليه السؤال: لماذا هربت؟
في مقبرة البلدة كان عليه أن يدفع رشوة لكي يدله حارسها على قبري أبيه وأمه. يفرح الحارس بالمبلغ ويروح يحكي قصصاً مثيرة عن أصحاب القبور. تنتعش روح الروائي. تنتفض لديه رغبة الكتابة. يأتيه شيخ ويدعوه للصلاة في الجامع. ويقصده بلطجي يطلب منه أن يقاسمه أموال الجائزة. حجته أنه نالها بعد أن سرق حكاية أبيه وكتب عنها رواية. كان أبوه يزرع الأعناب التي تتحول إلى نبيذ وقد أحرق المتطرفون أرضه. يرد عليه بأنها حكاية أبيه أيضاً، وحكاية عشرات المزارعين.
في ساحة البلدة يقيمون له تمثالاً. تتحول مراسم رفع الستار إلى معركة وتضارب بالنعال والطماطم. وفي طريق العودة إلى المطار يتعرض لمحاولة اغتيال. نظنه مات لكن الفيلم ينتهي والكاتب في حفل لتوقيع روايته الجديدة «مواطن شرف»، وتحت قميصه أثر لرصاصة.