أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

النفاق في قضية الضحية الإيرانية

الإيرانية الشابة مهسا أميني ماتت جراء التعذيب في مركز شرطة في طهران. العقوبة التي أودت بحياتها ليست بسبب أنها قاتلة أو إرهابية أو جاسوسة. الفتاة صغيرة عمرها 22 عاماً، كانت في زيارة مع عائلتها من كردستان إلى أقاربها في طهران، جريمتها أنها لم تكن ترتدي الحجاب وفق معايير وضعتها الحكومة الثيوقراطية. شرطة «الأخلاق» استوقفتها وهي برفقة أهلها، وقادتها إلى مركز شرطة من أجل التثقيف الديني وتعليمها ارتداء الحجاب الرسمي، لكن انتهى بها الحال في غيبوبة ثم توفيت.
ملف حقوق الإنسان في إيران لا يشبه أي ملف في العالم؛ الانتهاكات تسرب وتُنشر في وسائل الاتصال المختلفة، رسائل غوث من سجناء، ومقاطع مريعة لعمليات بتر وحرق واغتصاب وصنوف من التعذيب، ومع ذلك المجتمع الدولي يقف عاجزاً تماماً ليس فقط عن إنقاذ المنكوبين، بل إنه يتغاضى، ويكتفي بتنديد بارد، ثم تمضي الأيام، وتُعاد الحوادث. والمثير للحزن أن الحكومة الإيرانية أوغلت في التضييق على النساء، فاعتمدت تقنية عالية الحساسية لرصد اللاتي لا يلتزمن بالحجاب المفروض من الحكومة، وهذا خبر تباهى به مسؤول في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في طهران.
كنت أتابع مثل غيري أخبار الضحية، وتسلسل الأحداث وردود الفعل الدولية عليها، تقريباً لا شيء يذكر. منظمة العفو الدولية كررت التماسها للحكومة الإيرانية بالتجول في السجون لمعاينة الحالة الإنسانية في سجن «إيفين» أو «رجائي شهر» والحكومة الإيرانية رفضت. البيت الأبيض على لسان جاك سوليفان مستشار الأمن القومي قال إن هذا الفعل «لا يغتفر». شكراً على الإيضاح، لكن هذا التصريح لا يعني شيئاً بالنسبة للنظام الإيراني الذي يلتقي ممثلوه مع ممثلي واشنطن على طاولة مفاوضات جنيف. النظام الكهنوتي في إيران صامد في وجود نظام دولي هش. كل الفظائع ارتكبها هذا النظام الوحشي؛ اغتيالات، وغسل أموال، وتجارة مخدرات عابرة للمحيطات، وسجون داخلية مريعة السمعة، لكنه ينجو في النهاية.
أتأمل وأفكر، ماذا لو أن مهسا أميني اسم لفتاة سعودية، أو مصرية، أو بحرينية، أو أي جنسية أخرى، كيف سيكون وقع الحادثة على المنظمات الحقوقية الأممية والخاصة، والهيئات الدولية والحكومات الديمقراطية؟ لو أنها فتاة من الرياض، قُتلت تحت التعذيب في مركز شرطة من قبل محققين من هيئة «الأخلاق»، وانتشرت قصتها وصورها في كل مكان، كم ستأخذ القصة في الإعلام الغربي تحديداً؟ كم تقرير سيصدر ومقالة ستُكتب؟ وكم إجراء حكومي سيحصل؟ وكم من الأموال المسيّسة ستُنفق لتعميق أثر الواقعة وإطالة أمدها؟
الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الذي أقر تقنية رصد الحجاب في الشوارع، خرج ليقول إن تحقيقاً سيفتح للنظر في ملابسات موت الشابة الصغيرة. فلننتظر، هل سيكون هناك تحقيق في وجود محامين عن الضحية ومحاكمة في وجود ممثلين عن منظمات أممية أم أنها في أحسن الأحوال إجراءات صورية؟
بتنا نفهم أن الملف الحقوقي الدولي مسيّس، ومتعفن بسبب المال القذر الذي تضخّه جماعات تتحرك وفق أجندات بعيدة عن الهدف الأسمى لضمان حد أدنى من المعاملة الإنسانية. النفاق أصبح واضحاً، تمر الجرائم المريعة من قبل النظام في طهران برداً وسلاماً على الصحافيين وكتّاب الأعمدة في الصحف والقنوات المتلفزة الأكثر شهرة في العالم، لكنهم يتحينون الفرص لتعقب أي حادثة في دولة مغايرة وتسليط الضوء عليها بلا مهنية ولا موضوعية، وهو أمر ينبئ بخطورة الوضع القيمي والأخلاقي، لذلك لا يلقي النظام في طهران بالاً لأي تصريح أو تنديد بأفعاله، لأنه يعلم يقيناً أنها مجرد كلمات، وأن المصالح هي التي تحكم علاقة الدول لا القيم، وأنه في أثناء ما كانت صور الشابة القتيلة تنتشر في الأوساط الإعلامية وتثير الفزع في الناس والغضب في الشارع الإيراني، كانت إيران في نقاش مع الغرب عن اتفاق سيطلق يدها الملطخة بالدماء لمزيد من الترهيب والترويع في العالم، مع مكافأة مالية بمليارات الدولارات لتعينها على التوسع بشرورها.