مصطفى فحص
كاتب وناشط سياسي لبناني. حاصل على الماجستير في الدراسات الإقليمية. خبير في السياسة الخارجية لروسيا بالشرق الأوسط. متابع للشأنين الإيراني والعراقي. وهو زميل سابق في «معهد العلاقات الدولية - موسكو (MGIMO)». رئيس «جائزة هاني فحص للحوار والتعددية».
TT

«النووي الإيراني»... سباق المسافات القصيرة

تتجنب الأطراف المجتمعة في فيينا حول ملف إيران النووي إعلان فشل مهمتها، وتتمسك بدبلوماسية المسافات البعيدة، على الرغم من أن سباق الأزمة تجاوز كل المواقيت التي أعلنت، وباتت مسافاته القصيرة بعضها يحدَّد بالأيام وبعضها بالأشهر. وفي انتظار الإعلان عن عودة الفرق التفاوضية إلى بلادها وحتى تحديد موعد جديد للمفاوضات (اتفق المعنيون على أن تكون بعد الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة والتشريعية في إسرائيل)، يشتد السباق ويأخذ منحىً مختلفاً؛ إما يطيح ما تبقى من آمال ضعيفة، وإما يقلب المعادلة التفاوضية.
الواضح بعد الفشل الرسمي غير المعلن حتى الآن للجولة الأخيرة في مباحثات فيينا أن المفاوضات بين إيران ودول «5 زائد1» تعاني من ضيق الوقت، الذي بدأت تداعياته تهدد جوهر المفاوضات، فلا يمكن لأي طرف من الآن وإلى ما بعد الانتخابات (الأميركية والإسرائيلية) أن يتوقع تصرفات الأطراف المعنية بالملف؛ خصوصاً طهران وتل أبيب، اللتين تستعدان للخيارات كافة في سباق قصير؛ إما للحل وإما للمواجهة، وبما أن الحل أكثر تعقيداً ويصعب التوصل إلى ما يرضي الطرفين، فإن المواجهة واردة، ولكن هذه المرة قد تكون مباشرة بينهما.
بالنسبة إلى طهران؛ فإن الوقت المتبقي في هذا السباق، أي حتى العودة إلى المفاوضات، يمكن أن تقوم فيه بخطوات عديدة نووية أو إقليمية تساعدها على فرض واقع تفاوضي جديد؛ إذ من الممكن أن تذهب القيادة الإيرانية إلى خيارات استفزازية، وتستغل المساحة أو المسافة ما بين نهاية هذه الجولة وإعلان موعد الجولة الجديدة في رفع مستوى التخصيب لديها، وهذا يعني أنها إما تصل إلى امتلاك رأس نووي، وإما تصل إلى مستوى من التخصيب يؤهلها لامتلاك سلاح نووي، فهي تراهن على أن العودة إلى «فيينا» مع رأس نووي أو درجة تخصيب تتجاوز نسبة 85 في المائة ستغير طبيعة المفاوضات، أي إن «إيران نووية» ستكون في موقع تفاوضي أقوى وتملك القدرة على فرض شروطها.
أما إقليمياً؛ فإن عُدة إيران الخارجية مكتملة في انتظار لحظة القرار، فطهران التي ترفض التطرق إلى «نفوذها الإقليمي» بحسبانه ملفاً منفصلاً تماماً عن «النووي»، تلجأ إلى المناورة الإقليمية عندما يضيق خيارها الدولي، وتسارع إلى الربط بين الملفات، وتتهيأ لمرحلة جديدة تعيد فيها خلط الأوراق حيث يدخل «النووي» في الأمن الإقليمي، ومصادر الطاقة في الحاجة الأوروبية، وتصبح حدود لبنان الجنوبية أحد مفاتيح الحرب والسلم.
في المقابل؛ فإن تل أبيب التي ترفض التعايش مع «إيران نووية» متصالحة نسبياً مع المجتمع الدولي، تؤكد أنها غير ملزمة بأي اتفاق معها، لذلك؛ فإن المنطقة والعالم في هذه المساحة المتبقية حتى العودة إلى المفاوضات مجدداً، يتخوفان من أن تستخدم تل أبيب ما لديها من أدوات وقدرات بهدف قطع الطريق النووية على طهران، والأخطر في سباق المسافة القصيرة أن ضيق الوقت بالنسبة إليها يدفع بها للقيام بعمل استباقي، يضع حداً لإمكانية امتلاك طهران أي قدرة نووية تعدّها تهديداً لأمنها القومي.
كما أن عامل الطاقة وحاجة الأوروبيين إليها والمنافسة بين طهران وتل أبيب على تصديرها يدخل ضمن سباق المسافة القصيرة، خصوصاً أن فصل الشتاء على الأبواب، حيث تراهن طهران على ليّ ذراع الأوروبيين وابتزازهم في حاجتهم للطاقة، فيما تلوّح تل أبيب بأنها يمكن أن تكون البديل، وهذا مما يرفع احتمالات المواجهة بينهما.
وعليه؛ فإن السؤال الأصعب في هذا الوقت الضيق الذي قد يحمل أجوبة غير دبلوماسية: هل ستقف إيران مكتوفة الأيدي حتى تمر الانتخابات النصفية بسلاسة والإسرائيلية بهدوء، وهل تل أبيب ستتصرف منفردة في لحظة أمنية حساسة، فالسباق بينهما قد ينفجر قبل الوصول إلى خط النهاية رغم قصر المسافة؟