زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

كنوز الفاو

أعلنت هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية في أواخر شهر يوليو (تموز) الماضي عن نجاح فريق علمي سعودي وخبراء دوليين في الكشف عن الكثير من أسرار موقع الفاو الأثري عاصمة مملكة كندة القديمة على أطراف صحراء الربع الخالي إلى الجنوب من وادي الدواسر بمسافة 100 كم تقريباً.
بدأت أعمال الكشف عن موقع الفاو الأثري بقيام الفريق العلمي السعودي المشترك مع عدد من الخبراء الأجانب بوضع خطة عمل مدروسة بعناية تبدأ بعمل مجموعة متكاملة من المسوحات الأثرية وباستخدام وسائل تكنولوجية متعددة هي الأحدث في عصرنا هذا. ومن أعمال المسح التي تمت على موقع الفاو الأثري نحصي منها: المسح عن طريق التصوير الجوي سواء باستخدام الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيرة بدون طيارين، إضافة إلى أعمال المسح الطبوغرافي والمسح الضوئي، والمسح باستخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، وتكنولوجيا المسح الراداري والمسح بالليزر، والمسح الجيوفيزيائي، وأخيراً المسح الأثري التقليدي الذي أعقبه عمل مجسات أثرية لاختبار الموقع وطبقات التربة.
وكان من نتيجة أعمال المسح الأثرية والحفائر بموقع الفاو الكشف عن العديد من أسرار المنطقة الأثرية، ومنها الكشف عن منطقة مزاولة الشعائر الدينية وذلك في الواجهة الصخرية لجبال طويق المعروفة باسم «خشم قرية»، حيث تم الكشف عن بقايا معبد حجري وبه بقايا مائدة قرابين، والعديد من النقوش التعبدية. ويلقي هذا الكشف الضوء على التعاليم الدينية لمدينة الفاو الأثرية. كما تم الكشف عن بقايا مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري الحديث حوالي 6000 قبل الميلاد. وقد قامت البعثة السعودية المشتركة بأعمال التسجيل والتوثيق لأكثر من 2807 مقابر مكتشفة بالموقع التي تم تصنيفها في ست مجموعات تعود لحقب زمنية مختلفة.
أما عن أهم المكتشفات بالمنطقة فهو الكشف عن نقش تعبدي للإله «كهل» في معبد جبل لحق من شخص اسمه «وهب الات» من عائلة «ملحة» الجرهائيين أي من مدينة الجرهاء. وتعود أهمية النقش في أنه يذكر اسم شخص وعائلته من مدينة الجرهاء، بينما النقش مقدم في معبد جبل لحق الذي عثر عليه بمنطقة الفاو وبالتالي كان هناك نوع من العلاقات والمصالح المتبادلة بين المدينتين الجرهاء والفاو والتي قد يغلب عليها الطابع التجاري. كذلك يشير النقش إلى وجود التسامح الديني بين سكان المدينتين واحترام كل منهما لمعتقدات الآخر، إضافة إلى أن بعض سكان مدينة الجرهاء كانوا يتعبدون إلى «كهل» معبود مدينة الفاو.
والغريب في موضوع مدينة الجرهاء أن ذكرها قد ورد في العديد من المصادر التاريخية والأثرية القديمة مما يشير إلى مدينة كبيرة مهمة وذات مكانة وحيثية في العالم القديم وخاصة في محيطها الإقليمي، ورغم ذلك فإن تحديد مكان الجرهاء لا يزال سراً من أسرار تاريخ المنطقة، ولا يزال الأثريون يحاولون العثور على الجرهاء والكشف عن أسرارها. وربما يساعد النقش المكتشف حديثاً بالفاو في إلقاء مزيد من الضوء على مكان هذه المدينة.
لقد كشفت المسوحات الأثرية بموقع الفاو عن منطقة المساحات الزراعية وحقول الفاو القديمة التي لا تدع مجالاً للشك عن غنى المنطقة بالعديد من الحاصلات الزراعية التي ساهمت في تأمين حياة سكان المدينة. والسؤال هو كيف استطاع سكان الفاو رغم موقعهم في منطقة تصنف بأنها أكثر منطقة قاحلة نادرة المياه في العالم من زراعة تلك المساحات الكبيرة من الأراضي؟ والسر هو مياه السيول والأمطار التي كانت تستغل وتدار بعناية فائقة، حيث يشير إلى ذلك تلك الخزانات الأرضية التي تجمع المياه وتحفظها والتي كشف عنها الأثريون بالفاو.