د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

في ظلال 11 سبتمبر

عشرون عاماً ونيف في ظلال أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 التي ذهب ضحيتها أبرياء لا علاقة لهم بأي صراع في العالم سوى أنهم كانوا موجودين في برجين قرر تنظيم إرهابي دكهما وقتل من فيهما لقهر عدوه الذي لم يكن موجوداً بين الضحايا مطلقاً.
صحيح أن ذكرى أحداث سبتمبر هذا العام تمر وقد قُتل كلا الرجلين؛ بن لادن والظواهري، المسؤولَين عن مقتل الآلاف الأبرياء، بل تم إخفاء قبريهما بينما جُعلت «منطقة صفر»، حيث انهار البرجان، مقبرة جماعية تخليداً لذكرى من قُتل في ذلك اليوم.
أحداث 11 سبتمبر قد تكون كشفت عن المتضرر الحقيقي، ولكنها لم تكشف بعد عن المستفيد الحقيقي مما جرى، ففي 11 سبتمبر ما زال خطف الطائرات والقيام بأعمال إرهابية وتوجيه الطائرات نحو مبانٍ من المفترض أنها محمية بالدرع الصاروخية والرادارات التحذيرية لأي انحراف في مسار الطائرات، يثير الكثير من التساؤلات، إذ كيف لساكني كهوف تورا بوار توجيه طائرات عملاقة، رغم أن بعضهم تدرب على قيادة طائرات صغيرة تختلف في التكنولوجيا عن تلك التي تم تنفيذ العملية الإرهابية بها؟ ليبقى سؤال: هل كان للإرهابيين هؤلاء شركاء من الداخل؟! ولهذا السبب حقق المعهد الوطني للمعايير والتقنية (NIST) في هذه الحادثة ورفض جميع الادعاءات التي أدلى بها مؤيدو نظريات «مؤامرة» 11 سبتمبر التي من بينها الزعم بمعرفة السلطات المسبقة بالهجمات وتجاهلها، أو مساعدة افتراضية للمهاجمين من داخل السلطة.
ليبقى السؤال: مَن المستفيد أو من استفاد من 11 سبتمبر؟ بالتأكيد من استطاع تبرير حروب كثيرة اجتاحت بلاد العرب والمسلمين من أفغانستان إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن، فجميع ما حدث مباشرةً بعد 11 سبتمبر، وما تبعه من هزات ارتدادية في الربيع العربي، هي جميعها كانت مبررات للمستفيد من 11 سبتمبر، بغضّ النظر عن الفاعل الظاهر وهو تنظيم «القاعدة» الإرهابي، ولعل ما ذكره الرئيس الألماني جانبٌ من الحقيقة حين قال: «إن بوش ورجال البيت الأبيض حوّلوا الإنجيل إلى بندقية يُقتل بها هنا وهناك»، وذلك عقب أحداث 11 سبتمبر، كأن المحافظين الجدد كانوا في حاجة لذريعة يجتاحون بها العالم.
المستفيد من 11 سبتمبر هو من يسعى إلى صدام الحضارات وتكريس حالة من العنصرية والتفوق بين الأجناس، في محاولة لاستعادة التاريخ العنصري، ففي الستينات من القرن الماضي كانت نظرية «العرق السيد المتفوق» هي المسيطرة، وكانت أميركا تعاني من أزمة الفصل العنصري ونظرية تفوق الأجناس، مما شكّل عائقاً كبيراً في عملية الاندماج المجتمعي داخل أميركا وشكّل كنتونات ومقاطعات من السود داخل مدن وأحياء أميركا بعد أن تم رفض إدماجهم في المجتمع، مما شكّل حالة من اللاسلم المجتمعي.
الدرس المستفاد من أحداث 11 سبتمبر، هو أنه لا أحد يستطيع تغيير العالم بالقوة، فلا استطاع الإرهابيون تغيير أميركا، ولا استطاعت أميركا القضاء عليهم بالقوة، فها هو معقلهم في أفغانستان رغم ضربه بأطنان من القنابل التي أُفرغت بسببها مخازن الأسلحة الأميركية عشرات المرات، ومع هذا لا تزال أفغانستان كما تركها بن لادن والملا عمر، وعادت «طالبان» للحكم بعد عشرين عاماً بنفس العقلية والتفكير، فالساحة الأفغانية وما جاورها أصبحت ساحة مفتوحة للحرب بين «طالبان» و«داعش خرسان»، التنظيم الدموي، وما يستجد من تنظيمات أخرى، ما دامت الفوضى هي سيدة الموقف.
ولعل أسباب العودة والظهور المتجدد لـ«طالبان» في أفغانستان هي حالة الفوضى والفراغ الأمني والعسكري هناك، الأمر الذي مكّن «طالبان» من الحصول على موطئ قدم في أفغانستان، والسيطرة عليها خلال ساعات من خروج القوات الأميركية، وكشفت ضعف «الجيش الأفغاني» الذي صرفت عليه واشنطن المليارات من التدريب والتسليح لينهار في بضع ساعات أمام زحف مقاتلي «طالبان».
وكنتيجة لأحداث 11 سبتمبر كانت الحرب على أفغانستان، وهي إحدى الحروب الفاشلة التي خاضتها أميركا في المنطقة قبل العراق وليبيا، وهي من الدول التي أصبحت دولاً فاشلة ومنهارة بعد التدخل الذي كان شعاره نشر الديمقراطية!
ستبقى الحقيقة الثابتة في أحداث سبتمبر هي هوية الضحايا؛ أبرياء لا علاقة لهم بالصراع الذي بدأ بمقتلهم وسيبقى علامة ولغزاً محيراً لتمكن جماعات وتنظيمات متطرفة المعتقد وبدائية التسليح من دك أبراج مشيّدة بهندسة معمارية غير مسبوقة تعانق السحاب بطائرات مختطَفة استُخدم وقودها مادة للتفجير والاصطدام، انقسم العالم بعدها إلى فسطاطين كما أراد كبير الإرهابيين.