بريت ستيفنز
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

الطريق الأخرى التي ينتهي إليها التاريخ

كان من المفترض أن تكون نهاية التاريخ قد حدثت في عام 1989، وهو العام الذي سقط فيه جدار برلين وأعلن فيه فرانسيس فوكوياما الانتصار النهائي للديمقراطية الليبرالية. نعلم كيف سار هذا الطرح. لكن ماذا يحدث عندما يبدأ النوع الآخر من التاريخ - الأكاديمي وليس الهيغلي (نسبة للفيلسوف جورج هيغل) - في الانهيار؟
هذا سؤال حاول جيمس سويت، أستاذ التاريخ في جامعة «ويسكونسن» الأميركية، ورئيس جمعية التاريخ الأميركية، طرحه في وقت سابق من الشهر الماضي في مقال للجمعية بعنوان «هل التاريخ هو التاريخ؟».
كان اهتمام جيمس سويت الأساسي في المقال، الذي جاء بعنوان «سياسات الهوية والغائية في الحاضر»، يتعلق «بالاتجاه نحو الحاضر» - وهي عادة موازنة الماضي مع الاهتمامات الاجتماعية والأخلاقية للحاضر.
عرض المقال بعض الانتقادات الصامتة لـ«مشروع ذا تايمز 1619»، وحذر من أن «التاريخ السيئ يؤدي إلى سياسات سيئة». وقد أثار ذلك على الفور صيحات الاحتجاج عبر «تويتر» من الأكاديميين اليساريين. وفي غضون يومين، قدم جيمس سويت اعتذاراً مذلاً، اتهم فيه نفسه بالإقدام على «تصرف استفزازي» ضايق به بعض زملائه وأصدقائه السود، وأنه «آسف بشدة» لذلك.
يجب أن نشعر الآن بأسف عميق تجاه جيمس سويت، الذي ربما لم يدرك أنه، في ظل ثقافة الإلغاء التي نعيشها والتي أصبح الناس ينظرون فيها إلى ثقافة الاعتذار التي تهدف إلى التعبير عن التسامح على أنها إقرار بالذنب. لكن العار الأكبر هو أن جيمس سويت كان لديه أشياء مهمة ليقولها في مقاله المدروس - أشياء قد يعمد رد الفعل على المقال إلى دفنها الآن.
بين عامي 2003 و2013، تناقصت أعداد باحثي رسائل الدكتوراه في التاريخ، حسبما أشار المهتمون بموضوعات ما قبل عام 1800. وفي الوقت نفسه، كان المؤرخون ينتجون أعمالاً «تماشت مع المصطلحات المألوفة للمناقشات المعاصرة»، تحديداً تلك المرتبطة بسياسات الهوية.
وكتب جيمس سويت يقول «غالباً ما يتجاهل هذا التاريخ الجديد قيم الناس وأعرافهم في أزمانهم، وكذلك التغيير الذي طرأ بمرور الوقت؛ مما يؤدي إلى تحييد الخبرة التي تفصل المؤرخين عن أولئك العاملين في التخصصات الأخرى».
بعبارة أخرى، كان جيمس سويت يحذر من أن المؤرخين يخاطرون بظلم مهنتهم وكذلك ظلم الماضي نفسه بالوقوع ضحية ما يطلق عليه «إغراء الأهمية السياسية». كان مثاله الرئيسي في ذلك هو زيارة قام بها مؤخراً إلى «قلعة إلمينا» في غانا، والتي كانت ذات يوم أحد المواقع الرئيسية لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. في هذه الأيام، كتب يقول، إن القلعة باتت مزاراً للأميركيين ذوي الأصول الأفريقية الذين يتطلعون إلى مكان لإحياء ذكرى الأجداد المستعبدين.
ولكن، حسب جيمس سويت كمؤرخ لأفريقيا، فقد «وصل أقل من 1 في المائة من الأفارقة الذين يمرون عبر إلمينا إلى أميركا الشمالية»، وانتهى الأمر بغالبية الأفارقة المستعبدين الذين نجوا من الممر الأوسط بالوصول إلى البرازيل أو منطقة البحر الكاريبي. وغالباً ما تم جلب أولئك الذين تم استعبادهم إلى منطقة «إلمينا» من قِبل وسطاء أفارقة آخرين روّجوا لتجارة الرقيق بنفس القسوة والجشع مثل الأوروبيين الذين تعاملوا معهم.
لكن هذا لا يفعل شيئاً لتقليل شر تلك التجارة، ناهيك عن ارتباطها بماضي أميركا وحاضرها. لكنه يساعد في وضعها في سياق عالمي نادراً ما يتماشى فيه دور الضحية والمعتدى عليه مع مسألة اللون. وإذا تنافى مع العقيدة الحالية؛ فذلك فقط لأن هذه العقيدة تقوم على فهم مبسط للتاريخ. فالدور المناسب للمؤرخ هو التعقيد وليس التبسيط؛ ذلك لإظهار شخصيات تاريخية لنا في سياق زمانها، وليس اختزالها في شخصيات يمكن استخدامها سلاحاً في مناظراتنا المعاصرة.
الأهم من أي شيء، يتعين على المؤرخين أن يساعدونا على فهم الأسباب التي جعلت الماضي متميزاً. وهذا لا ينبغي أن يمنعنا من إصدار أحكام أخلاقية حول هذا الموضوع، لكن يمكننا إصدار أحكام أفضل، بناءً على معرفة أن أسلافنا نادراً ما تصرفوا انطلاقاً من افتراضاتنا وتوقعاتنا وخبراتنا وقيمنا. وهناك درس في التواضع في ذلك، بالإضافة إلى التذكير بأن أفكارنا قد تبدو غريبة وأحياناً بغيضة لأحفادنا.
كان يجب أن يكون كل ذلك ترياقاً مفيداً لما عبّر عنه جيمس سويت قائلاً «إن التاريخ هو خزانة الأدلة للناس للتعبير عن مواقفهم السياسية». لكن ما حدث هو أن مقاله الذي انحنى للخلف لإظهار حسن نيته الليبرالية قد أثار غضب التقدميين المعتاد؛ لذلك فإن أي شخص يبحث عن المزيد من التأكيد على أن الأوساط الأكاديمية الحديثة أصبحت في الأساس تمريناً آيديولوجياً قسرياً يتنكر في هيئة أكاديمية عليه أن يُجري المزيد من البحث والتحري. ولذلك؛ سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان جيمس سويت قادراً على الاحتفاظ بمنصبه رئيساً للجمعية الأميركية التاريخية.
في عام 2019، حصل 986 شخصاً على درجة الدكتوراه في التاريخ - وهي المرة الأولى التي انخفض فيها العدد إلى أقل من 1000 شخص منذ أكثر من عقد. ولا يزال هذا الرقم أعلى مرتين تقريباً من عدد الوظائف الشاغرة المعلن عنها. وإذا كان الناس يتساءلون كيف ينتهي التاريخ، فربما تكون هذه هي الطريقة: عندما يحاول نظام علمي تحويل نفسه إلى شيء يختلف عن طبيعته، فإن النتيجة هي أنه سيصبح غير ذي صلة رغم كل محاولاته اليائسة.

* خدمة «نيويورك تايمز»