فارا ستوكمان
TT

الكونغرس الأميركي أكثر انهياراً عما هو عليه

في مارس (آذار)، أجرى الكونغرس إصلاحاً شاملاً لخدمة البريد الأميركية، التي وقفت على حافة الإفلاس لسنوات. وفي يونيو (حزيران)، مرر الكونغرس أول تشريع كبير لسلامة الأسلحة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. في يوليو (تموز)، صوت الكونغرس لصالح تنفيذ أهم استثمار في السياسة الصناعية الأميركية منذ نصف قرن.
اليوم، تعمل مجموعة من مجلس الشيوخ مؤلفة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تتألف من 16 عضواً، على إصلاح قانون الإحصاء الانتخابي الصادر عام 1887؛ خطوة يراها خبراء قانونيون ضرورية لإنقاذ الديمقراطية من هجوم آخر على غرار ما وقع في 6 يناير (كانون الثاني).
والسؤال الآن: هل هذا كل ما حلم به الديمقراطيون؟ لا بالتأكيد - ولا حتى قريباً منه.
ومع ذلك، يبقى ما سبق تقدماً كبيراً - والأهم من ذلك كله حقيقة أنه يحدث في ظل مجلس شيوخ منقسم بالتساوي بين الحزبين الرئيسيين بالبلاد. ويتعارض هذا الوضع مع وجهة النظر السائدة التي ترى أن واشنطن محطمة بشكل يتعذر إصلاحه، وأن الرئيس بايدن يخالجه باستمرار الحنين إلى الماضي. وبغض النظر عما يجري بثه هذه الأيام عبر القنوات الإخبارية، سيتعين على مؤرخي فترة رئاسة بايدن الأولى أن يعترفوا بأنه ثمة قدر مذهل من الأعمال جرى إنجازها.
بطبيعة الحال، نحن نعيش حقبة سامة وشديدة الاستقطاب؛ يبدو أن بعض السياسيين يفضلون فيها رؤية الدولة وهي تفشل على مد يد العون للطرف الآخر لتحقيق النجاح. ورغم منطقيتها، لا تخلو هذه النظرة من مبالغة، ذلك أنه تبقى حدود في طريق أي محاولات لخلق معوقات.
على سبيل المثال، عندما حاول ميتش ماكونيل احتجاز قانون «خلق حوافز مفيدة لإنتاج أشباه موصلات من أجل أميركا» (المعروف اختصاراً باسم «تشيبس»)، رهينة لأسباب سياسية لم يفلح في ذلك. ويرجع أحد الأسباب وراء ذلك إلى أن الكثير من الجمهوريين عملوا عليه وأرادوا تمريره.
وربما فشلت خطة «إعادة البناء بشكل أفضل» الأصلية وواسعة النطاق التي صاغها بايدن، ليس بسبب العرقلة، وإنما لأنه لم يجر إقناع الأميركيين بعناصرها كما يجب. وعندما ماتت الخطة موتاً بطيئاً، ضرب اليأس نفوس الكثير من الناخبين الديمقراطيين، وهوت أرقام شعبية الرئيس في استطلاعات الرأي.
بيد أن ذلك لا يعني أنه لم يجر إنجاز أي شيء، فعلى مدار العامين الماضيين، أولى المشرعون اهتماماً واضحاً لسلسلة من مشروعات القوانين المقدمة من الحزبين حول قضايا كانت مدرجة في قائمة مهام الدولة لسنوات. في الوقت ذاته، عكف البعض بهدوء على عقد اتفاقات بين الحزبين لتوسيع نطاق مزايا الرعاية الصحية للمحاربين القدامى، وتأمين ما يُطلق عليه أكبر استثمار على الإطلاق في النقل العام، وحماية الحكومات المحلية والقبلية من الهجمات الإلكترونية.
علاوة على ذلك، اضطلع 55 عضواً في مجلس الشيوخ بدور رائد في واحدة أو أكثر من 16 مبادرة مهمة من الحزبين على مدى العامين الماضيين. وتحولت ثمانية من مشروعات التي تقدموا بها إلى قوانين بالفعل، وربما يجري تمرير المزيد خلال «جلسة البطة العرجاء». ويعني وجود مجلس شيوخ تنقسم عضويته بالتساوي بين الحزبين، أن الكثير مما جرى تمريره يجب أن يكون مقبولاً من الحزبين، مع دعم ما لا يقل عن 10 جمهوريين. ورغم أن الأمر كان أصعب مما كان عليه من قبل، لكنه لم يكن مستحيلاً.
وعلق غروميت على ذلك بقوله: «تضررت الديمقراطية بشدة، لكنها لم تتحطم».
بيد أنه للأسف في ظل عصرنا الحالي الذي يشهد حالة استقطاب شديدة بين الحزبين، يظل جزء كبير من هذا الإنتاج طي الكتمان. في الوقت ذاته، يشعر الكثير من السياسيين أنه جرى انتخابهم من أجل القتال، وليس التوصل لتسويات.
أما المحصلة النهائية فهي أن هذا الوضع ترك لدى الجمهور انطباعاً بأن حكومتهم محطمة أكثر مما هي عليه في الواقع، الأمر الذي يحرم الناخبين من الأمل في أنهم قد يتمكنون يوماً ما من تحقيق تغيير. إن فكرة الجمود المطلق اللانهائي ليست مجرد فكرة خاطئة، وإنما لا تخلو من خطورة، ذلك أنها تدفع الأميركيين - والناس في مختلف أنحاء العالم - نحو فقدان الثقة في الديمقراطية كنموذج للحكم.
من الناحية السياسية، في وقت يسيطر الديمقراطيون على البيت الأبيض وعلى مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، فإن انتشار فكرة أن الحكومة لا تفعل شيئاً يعد كذلك بمثابة هزيمة ذاتية.

* خدمة «نيويورك تايمز»