د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

جذور التخبط!

التخبط لا يأتي صدفة! فعندما تبرز مظاهره فهناك حتماً من يقف وراءها. مشكلة التخبط أن منشأه فرد. وكلما علا منصبه كانت تداعيات المتخبط أكبر. وعندما نغض الطرف عن التساهل في عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، يتفشى الإحباط في أوساط المنتجين؛ لأنه لم تعد تلوح في الأفق أي بارقة أمل تنتشلهم من حالة التوهان.
في العمل الإداري، مهما أوتيت من فطنة وذكاء، يصعب أن تُسَيّر الأمور حسب الأصول ما لم تتولَّ منصباً يخولك فعل ذلك. فكم من مخلص كان يتحسر على إدارته أو مؤسسته لأن مديراً هزيلاً قد هبط بالباراشوت إلى «سدة القيادة»، وهو لا يفقه شيئاً في أبجديات الإدارة ولا مجريات العمل. طبيعي أن يتعلم المسؤول الجديد بعضاً من الفنيات، لكن ألا يجد غضاضة في الاستمرار بقرارات التخبط فهذه معضلة كبيرة.
مشكلة من يتخبط تنتهى فورما يجد ضالته في أذن صاغية تفهمه وترشده. لكن حفلة التخبط تستمر عندما لا يعترف صاحبها بوجودها. وعدم الاعتراف بالمشكلة يعني عدم انطلاق مساعي الحل. فالحل يبدأ من لحظة الإقرار بوجود المشكلة، كما تشير أبجديات الإدارة.
وتخبط الفرد في عمله يعني «السَّيْر فِيهِ بِعَشْوَائِيَّة وَفَوْضى» بحسب معجم المعاني. فيلاحظ من حوله كيف يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْوَاءَ في كل تصرف يقدِم عليه.
وإذا اقترن التسرع بالتخبط استفحلت المشكلة. وإذا استمرأ المتخبط حالة الفوضى تجرأ على تعيين لفيف ممن هم على شاكلته فيزيد الطين بلة. الطيور على أشكالها تقع، وكذلك لدى بعض المسؤولين ممن يميلون نحو تعيين أنصاف الأكْفاء وأنصاف الموهوبين خشية من أن يكشف أحدهم سوء قصورهم.
التخبط يمكن قبوله في المراحل الانتقالية، لكنه يصبح كارثة إذا استمرت ظواهره في شتى الإدارات. هنا يصير التدخل الجراحي في استئصال كبار القياديين مطلباً ملحاً ليتنفس المتفانون الصعداء، وذلك حينما يرون ضوءاً في نهاية النفق. وكلما طال تجاهل التخبط ارتفعت فاتورة إصلاح الضرر، وكبرت تداعياته كما تكبر كرة الثلج. ولا أسوأ من رؤية بلد بقدرات هائلة يعيش حالة من التخبط التي تمهد لمزيد من التراجع والقلاقل والفتن.