طلال بن حسن آل الشيخ
كاتب واعلامي سعودي
TT

الرياض بين «الحزم».. و«ضبط النفس»

التغيير الذي يُلحظ في السياسة الخارجية السعودية، وشغل المهتمين والمتابعين للشأن السياسي السعودي خلال الفترة الماضية، وقاد الكثيرين إلى تصور أنها سياسة جديدة ينتهجها الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، هو نتاج طبيعي لتراكم عمل ورؤية سعودية منذ حقبة زمنية مضت، تواصلت من عهد لآخر، في تناغم وانسجام وترابط مدروس ومخطط له. يتضح جليًا أن الرياض تبنت خلال فترة زمنية معينة سياسة النفس الطويل في التعامل مع الخصوم، والأنظمة ذات الأجندة الرامية لزعزعة الأمن في منطقة الخليج. ضبط النفس وتغليب الحوار في كل المنابر والمواقف كان سائدًا آنذاك، ما أنتج مراكز حوار بادرت بها السعودية في مجالات مختلفة، وجعلتها أكثر دولة تطلق نداءات الحوار والوحدة، وتستضيف الكثير من مؤتمرات الحوار والمصالحات على أراضيها وترعاها خارج البلاد. اتفاق الطائف الذي جمع اللبنانيين، والمصالحة الفلسطينية قبل أعوام كانت إحدى تلك الصور، وترميم البيت الخليجي أكثر تلك الشواهد. في الوقت ذاته كان ملاحظًا أن المملكة لم تهمل جانب تجهيز قواتها وتدريبها وتأهيلها وتطويرها وتسليحها بأحدث أنواع الأسلحة الأرضية والجوية، بالإضافة إلى تمتين علاقاتها الخارجية في المحيط العربي والإقليمي وكذلك علاقاتها الدولية، حتى بلغت مرحلة أقرب إلى أن تكون قوة ضاربة في المنطقة على كل الأصعدة، سياسيًا وأمنيًا ودفاعيًا واقتصاديًا، ما قادها لنيل عضوية مجموعة العشرين، وأصبحت قادرة على حشد المجتمع العربي والدولي حول قراراتها السياسية ومواقفها الأمنية، وردع المعتدين عسكريًا وفرض إرادتها وانتزاع حقوقها.
انتقال السعودية من سياسة ضبط النفس والنفس الطويل إلى ردع المعتدين وانتزاع الحقوق، لم يكن تعبيرًا عن تغيير جوهري في سياسات السعودية، لكنها سياسة فرضها الواقع والتهديد المباشر لأمنها واستقرار المنطقة. في اليمن، على سبيل المثال، كان استنجاد الدولة الشقيقة والجارة التي تتأثر السعودية بشكل مباشر بأوضاعها الأمنية، عاملاً لدخولها سياسة الضرب بيد من حديد.
الرياض باتت قادرة على ردع إيران وقطع أصابعها في المنطقة، كما في اليمن وبقية الملاعب التي غذتها طهران في كل من العراق ولبنان وسوريا لتهديد السعودية والخليج، من خلال امتلاكها ترسانة ضخمة من الأسلحة المتطورة والمتنوعة، ذلك مقرون بتأهيل جيشها وتدريبه على أحدث الطرازات وأصعب المواقف، ناهيك بقدرتها على حشد تأييد المجتمع العربي والإقليمي والدولي كما حدث في «عاصفة الحزم»، عكس إيران التي فشلت في الحشد السياسي منذ سنوات، وظل الحصار الاقتصادي والأمني والسياسي مفروضًا عليها طوال العقود الماضية، مع انقسامات في جبهتها الداخلية، كما يحدث في بلوشستان وكردستان الإيرانية والأحواز، إضافة إلى مخاوف من صراع مذهبي طائفي، بدأت إيران تتململ منه وتجاهر به، إذ سبق أن حذر آية الله مكارم شيرازي، الذي يعد من كبار علماء الشيعة وأحد أبرز أساتذة الحوزة العلمية الشيعية في مدينة قم، من ارتفاع عدد أهل السنة في إيران، مبديًا قلقه الشديد علنًا في مؤتمر «الإمام السجاد الدولي»، من انتشار المذهب السني في بلاده.

* كاتب واعلامي سعودي