طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

العالم في جنون

المتمعن في الأخبار لا يملك إلا أن يقول إن العالم يعيش لحظة جنون. من أين نبدأ؟ حسناً، من أساس الأزمة في أوكرانيا التي كان يمكن تجنبها، وكما أقول دائماً، باجتماع «زوم» وليس جولات مكوكية.
واستمرار الحرب هكذا بلا جهود حقيقية للوساطة، مع استمرار موجة العقوبات غير المسبوقة، مقابل حرب لا تقف، يعد جنوناً أيضاً، خصوصا أن الجميع متضرر. وأبسط مثال قول الأوروبيين إن الروس يبتزونهم في الطاقة.
ولا يملك المراقب إلا التعجب، فما الذي تتوقعه أوروبا، ومن خلفها الولايات المتحدة؟ والعقوبات نفسها على الروس الأفراد تعد جنوناً أيضاً، إذ تمت من دون تقديم أدلة، ومحاكمات، حيث صودرت الأملاك الشخصية بجرة قلم في دول طالما قيل إنها دول مؤسسات وقوانين.
وتفاصيل الأزمة الأوكرانية كثيرة، وآخرها أزمة الغذاء التي يوشك أن يواجهها العالم، هذا فضلا عن أزمة الطاقة المقبلة التي ستواجه أوروبا مع دخول فصل الشتاء، علماً أن البعض بدأ يلجأ إلى الفحم، وفي لحظة الحديث المتزايد عن أخطار التغير المناخي.
وهناك أزمة توزيع الأسلحة في أوكرانيا بهذا الشكل، والتي ستقود إلى خطر حقيقي حال وقوف الحرب بأوكرانيا، وهي أزمة ستعاني منها دول عدة، وليس أوروبا وحدها.
والجنون الأكثر هو عندما تجد الدولة العظمى مشغولة بسلام بقبضة يد، وليس مصافحة، إعلاماً وساسة، ودون حديث عن القضايا الجادة، وفوق هذا وذاك يتحدثون عن قيم حقوق الإنسان التي يختلفون فيها في مجتمعهم... وسط جنون يساري.
جنون، مثلاً، عندما ترى دولة عظمى مثل الولايات المتحدة التي تحاضر العالم حول الديمقراطية، بينما لا يستطيع وزير خارجيتها الأسبق، والأكثر شهرة، هنري كيسنجر، قول رأي مخالف حول الحرب في أوكرانيا.
واضطرت مجلة رصينة، مثل «الإيكونوميست»، لتخصيص غلافها مؤخراً لتحذر الديمقراطيين تحديداً من عبث اليسار وخطرهم على الحزب، والديمقراطية. وقالت المجلة إنها عادة لا تسدي النصائح للسياسيين.
وكذلك جنون ما تشهده بريطانيا حيث الصراع على منصب رئيس الوزراء بينما هي تعاني من تداعيات «كورونا» على الاقتصاد، وقبلها الخروج من الاتحاد الأوروبي، والآن تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وبالنسبة لمنطقتنا فإن الجنون هنا حالة تدرس، حيث تُختطف دولة، مثل لبنان، من قبل ميليشيا ينظر لها البعض في المجتمع الدولي كمكون لبناني، والميليشيا نفسها تعلن وتعترف أنها إيرانية المرجع، والتمويل. والأمر نفسه ينطبق على «حماس».
وجنون ما يحدث في العراق، حيث تختطف الدولة، والانتخابات، ويخرج رجل مهدداً الجميع، وحتى طائفته، وكل ذلك بدعم من إيران التي يعتبر جنونها حالة خاصة، ويدرّس كدراسات عليا بالجنون.
وهذه ليست مبالغة، فإيران، مثلاً، التي تدعي القوة والمقاومة، تقوم إسرائيل باختطاف كبار قادتها في «الحرس الثوري»، وتحقق معهم داخل إيران نفسها، وبالصوت والصورة، وبعد الاختطاف والتحقيق تعيدهم إسرائيل إلى منازلهم. فهل هناك جنون أكثر من هذا؟
هذا التوصيف المختصر ليس لبث السوداوية، لكن للقول إننا في مرحلة خطرة لا يعلم عواقبها إلا الله، وتتطلب منا الوقوف مع دولنا العقلانية، دول الاعتدال العربي.