مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

جزاء سنمار

تقول الروايات التاريخية شبه الخيالية، إن هناك قبائل بدائية كانت تأكل البشر مثلما تأكل الحيوانات – وهذه الروايات من وجهة نظري تدخل في دائرة الأساطير، غير أن الأساطير في بعض الأحيان النادرة تتحول إلى حقائق.
وإليكم ما حصل في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1972، غادر فريق الرغبي من (الأوروغواي) بمعنويات عالية، كانوا متحمسين للقيام بالرحلة عبر الأرجنتين وعبر جبال الإنديز إلى حيث سيلعبون في المباراة ضد الفريق الآخر. كان اللاعبون الـ19 يجلبون معهم 21 فرداً من الأصدقاء، لكنهم لا يملكون أدنى فكرة أن هذه الرحلة ستجعلهم يقاتلون من أجل بقائهم على قيد الحياة.
فقد تحطمت الطائرة على قمة جبل ثلجي، لم ينجُ من (40) راكباً سوى (16) بين رجل وامرأة، ولم تصلهم النجدة إلا بعد (72) يوماً.
وعندما نفد طعام الطائرة، لم يكن أمامهم إلا أن يقطعوا من جثث زملائهم الموتى ويأكلوها، والمؤلم أن أحد الناجين تصدى للآخرين أن يمدوا أيديهم إلى جثة حبيبته الميتة، وكان هو الوحيد الذي أكل من لحمها.
وهناك من لم يأكل لحم الأوادم ولكن أكل لحم الكلاب، فقد ذكرت وسائل إعلام في كندا أن (ماركو لاغوا)، ذهب في رحلة على متن زورقه في شمال الكيبيك في يوليو (تموز) ولم يعرف عنه شيء من حينها، ولكن زورقه عندما تعطل نزل منه مع كلبه ونصب خيمته وسط الثلوج. ويكشف (لاغوا) فيما بعد أن دباً هاجم خيمته فدمر معداته وأتى على الطعام الذي كان معه، غير أن كلبه من نوع (الراعي الألماني) هو الذي أنقذه، وأبعد الدب عنه بعد أن أصيب هو وكلبه بجراح، وما هي إلا أيام ثلاثة حتى وجد الرجل نفسه يتضور من الجوع وعاجزاً عن إحضار الطعام بسبب كسر كاحله من عضة الدب، فأقدم على قتل كلبه وأكله لينقذ نفسه.
يذكر أن رحلة (لاغوا) كانت مقررة لشهرين، وقد بلغت عائلته عن اختفائه، وتمكنت السلطات من العثور عليه في وضع صحي سيئ نقل على أثره إلى المستشفى.
وهذا الرجل مع كلبه ذكراني بمثل: (جزاء سنمار).
وسنمار هذا بنّاء رومي أحضره (النعمان بن المنذر) ليبني له قصراً واستغرق البناء (20) سنة وأطلق عليه اسم قصر (الخورنق)، وأراد سنمار أن يعود إلى بلاده، غير أن النعمان لا يريد أن يكون في الدنيا قصر أجمل من قصره، لهذا أقدم على قتل سنمار.
وما أكثر الناس اليوم الذين يطبقون هذا المثل.