جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

بريطانيا: حربٌ في حزب المحافظين

باستثناءات قليلة، يتفقُ المعلقون السياسيون البريطانيون، من اليمين واليسار، على أن مصير رئيس الوزراء البريطاني قد تقرر في الأيام الماضية، خلال جلسة التصويت على الثقة من قبل نواب حزبه، وأن وصول قطاره إلى المحطة الأخيرة باتَ وشيكاً. القاعدةُ الانتخابية الأولى في بريطانيا تؤكد أن الأحزاب المنقسمة على نفسها لا تربح انتخابات. لذلك، من المؤكد قريباً أن يجد المحافظون أنفسهم في مأزق اختيار البديل، قبل بدء الانتخابات النيابية القادمة المتوقعة في 2024. وفعلياً، بدأت وسائل الإعلام البريطانية تنشر تقارير حول البدلاء المحتملين، واستعداداتهم لخوض المعركة. بل إن بعضها يؤكد أن معركة الزعامة ستبدأ قبل شهر أكتوبر (تشرين الأول) القادم، أي قبل انعقاد المؤتمر السنوي للحزب.
السيد جونسون على علم بالقاعدة المذكورة أعلاه وغيرها. وعلى علم أن خصومه قد انتهوا من تهيئة الأنشوطة ووضعها حول عنقه، وأنهم يتناقشون الآن حول مَن منهم سيقوم بالخطوة القاضية. وليس بإمكانه فعل شيء سوى التحديق في النهاية غير السعيدة.
النوابُ المحافظون في البرلمان انقسموا شطرين؛ شطر يبلغ عدد أفراده 148 نائباً، أغمدوا خناجرهم في صدره علناً، بالتصويت بسحب الثقة منه، عقب الانتهاء مباشرة من احتفالات اليوبيل البلاتيني. وشطر آخر، 211 نائباً، استنكفوا عن ذلك الفعل بزعم الولاء والحفاظ على وحدة الحزب. لكنهم، في الحقيقة، في انتظار معرفة اتجاه الرياح القادمة، وخاصة عقب الانتهاء من الانتخابات الثانوية القادمة في هذا الشهر، والتي تتوقع استبيانات الرأي العام خسارة المحافظين لمقعدين برلمانيين آخرين. وقبلها، ما ستسفر عنه تحقيقات اللجنة البرلمانية للمعايير السلوكية في الزعم بأن السيد جونسون كذب على البرلمان في مسالة «بارتي- غيت».
واستناداً إلى ما تقوله تقارير إعلامية، فإنه في حساب الأرقام، في التصويت الأخير على الثقة، يؤخذ في الاعتبار عاملٌ مهم، وهو أن هناك ما بين 160 إلى 170 نائباً ممن يتولون مناصب في الحكومة، ويتقاضون رواتب إضافية وامتيازات. وهؤلاء مضطرون للتصويت لصالح بقاء الحكومة، إن أرادوا الحفاظ على امتيازاتهم ورواتبهم. ومن اختاروا غير ذلك، عليهم تقديم استقالاتهم؛ إذ من غير الممكن تصويتهم ضد رئيس حكومة وبقاؤهم في خدمتها. وبالتالي، فإن العدد الفعلي للموالين في حدود أربعين نائباً فقط.
ووفقاً للتقارير نفسها، لا أحد، حالياً، يقامر على إمكانية نجاح السيد جونسون في الخروج من النفق الحالي بسلام، والعودة إلى الإمساك بقوة بمقاليد الحكم، وكأن شيئاً لم يكن. التاريخ مليء بشواهد مماثلة لرؤساء حكومات سابقين، انتهت إلى النتيجة المؤلمة نفسها. ومحاولة السيد جونسون التشبث بالبقاء لن يفيد إلا الأحزاب المعارضة. وكلما سارع بالخروج، ازدادت فرص حزبه في البقاء في الحكم.
استبيانات الرأي العام مؤخراً، تشير إلى تراجع كبير في شعبية السيد جونسون وحزب المحافظين. وقلبُ الأمور في الاتجاه الآخر، لا علاقة له بحسن الحظ، وإن كان ضرورياً، بل بحسابات سياسية باردة، ذات صلة وثيقة بالربح والخسارة. أهمها أن يقتنع النواب بأن استمراره في شغل منصبه، يضمن لهم بقاءهم في مقاعدهم البرلمانية. والبقاءُ من عدمه يتوقف على عوامل كثيرة، في مقدمتها حقيقة أن الأحزاب المنقسمة لا تربح انتخابات. وأن الصدع الحالي في جدار النخبة البرلمانية المحافظة قد فاق المتوقع. والحلول المقترحة، لا تختلف عن حبوب شعير بين حجري رحى، تدور وتدور ثم ترجع لقلب الرحى، أي إلى حل واحد، يتمثل في التخلص من السيد جونسون، وانتخاب بديل له. المشكلة أن البدائل المتوفرة والممكنة لا تملك سجلات بانتصارات انتخابية مثل السيد جونسون، هذا أولاً. وثانياً، ماذا بمستطاع البدلاء فعله في مسافة قصيرة زمنياً من الانتخابات العامة؟
هل يفضي ذلك بالتحليل إلى خلاصة تؤكد أن حقبة حزب المحافظين في الحكم، التي بدأت عام 2010 قد آن موعد نهايتها؟
أيُ إجابة عن السؤال يجب أن تأخذ في الاعتبار وضع الأحزاب المعارضة. حزب العمال لم يتعافَ بعد من المحنة التي سببها زعيمه السابق جيرمي كوربن. وما زالت الطريق طويلة أمام زعيمه الحالي كير ستارمر للفوز بثقة الناخبين. وتحقيق ذلك يتطلب إعداد سياسات وبرامج تتفاعل مع مشاكل الواقع الحياتي، وهو ما لم يتضح بعد. وأن الحزب بشكله الحالي، كما يؤكد أغلب المعلقين في الساحة، ليس جاهزاً للفوز بالانتخابات العامة، وقيادة بريطانيا.
ومثله أيضاً حزب الأحرار الديمقراطيين. لذلك، فإن الإجابة المنطقية حول مصير السيد جونسون في مواصلة مهام منصبه أم المغادرة هي أنه لا أحد يعرف، على وجه الدقة، المسار الذي من الممكن أن تأخذه الأمور خلال الأسابيع، أو الأشهر القادمة. ولا أحد يعلم كذلك هل ستتوقف الحرب في أروقة حزب المحافظين فجأة أم ستزداد ضراوة!!