إميل أمين
كاتب مصري
TT

سلام للتواصل الحضاري... الأصل والصورة

من بين أهم المشروعات الفكرية الحضارية التي نشأت وارتقت على أرض المملكة العربية السعودية في الأعوام القليلة المنصرمة، يأتي مشروع «سلام للتواصل الحضاري»، الذي انطلق عام 2015 تحت مظلة اللجنة الوطنية لمتابعة مبادرات خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، بوصفه مشروعاً وطنياً لنشر ثقافة التواصل الحضاري.
يأتي «سلام»، ليواكب النهضة الحضارية، والصحوة الوجدانية والعقلانية، تلك التي أحيتها وأسست لها رؤية المملكة 2030، التي يرعاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والسائرة عبر محورين خلاقين؛ «وطن طموح»، و«مجتمع حيوي».
والشاهد أن الطموح موصول بالانفتاح على الآخر، والحيوية مشروطة بالتفاعل الإيجابي مع المغاير، لا سيما في زمن الكوكبية، تلك التي انتقل فيها العالم من فكرة القرية الصغيرة، كما قال مارشال ماكلوهان عالم الاجتماع الكندي، إلى الصندوق المرئي، صندوق الدنيا المتمثل في الهاتف الذكي.
تنطلق فكرة «سلام» من عمق ذكاء اجتماعي يسعى في طريق التثاقف مع الآخر، ورسم الصورة الصادقة للمملكة بتاريخها وحضارتها، بواقعها المعاصر وقفزاتها للحاق بالنجوم، لا الصورة التي يسعى البعض لتصديرها.
وإذ ينشر «سلام» صورة حية زاهية ديناميكية للمملكة العربية السعودية، بإبراز مظاهر التعايش والتسامح، يُتخذ المشروع منصةً هادفةً ومفيدةً للحوار والتواصل المفتوح والتفاهم الإيجابي بين السعوديين وغيرهم من المجتمعات.
يدفع الحوار دوماً في طريق اكتشاف الحقيقة، لا سيما إذا كان صادقاً، فالكثير من المشكلات هي وليدة الجهل، ولهذا فإن مشروعاً حضارياً سعودياً بوزن «سلام»، يعني في المبتدأ والخبر التعرف على المشتركات الإنسانية والثقافية، بين الأمم والشعوب، وفتح مسارات ومساقات للنقاشات من حول قضايا غالباً ما تكون غير واضحة لدى الجماعات الإنسانية الأخرى، وبعضها قد يخلق صورة عن المملكة في أذهان البعض منافية للحقيقة ومجافية للواقع؛ صورة يصر البعض فيها على التكلس والتحجر عند أزمنة بعينها من حالات الانسداد التاريخي.
يعاون الحوار على اتساع الأفق الفكري، واكتشاف جوانب عديدة لموضوع الحوار، وبالتالي، يدفع الأطراف المتحاورة في طريق اكتشاف أفكار وآراء جديدة لم تكن مطروحة من قبل، ذلك أن لقاءات الحوار تعاون المتحاورين على دراسات أشمل للقضايا الفكرية، فكل متحاور ينظر إلى القضية من جانبه الخاص، ومن خلال خبراته، فتزيد المفاهيم وتتسع البصيرة للجميع.
يستهدف مشروع «سلام» بنوع خاص الأفراد من الجنسين المكلفين بتمثيل المملكة في المحافل الدولية، من مؤتمرات وندوات ومعارض وورش عمل وغيرها من المهام ذات الصلة.
تتمحور رؤية «سلام» حول عدة ركائز، يأتي في مقدمها السعي لوضع منطلقات أساسية بهدف تعزيز التواصل الحضاري بين الثقافات وتقوية الروابط التي تجمع بين الشعوب.
في هذا السياق يمكن للمرء أن يتفهم رصانة الطرح، ورقي الأهداف، لا سيما في هذا الوقت الذي يسميه علماء الاجتماع، الزمن الآنومي، أي المرحلة التاريخية التي تهتز فيها صورة القيم والمُثل الأخلاقية الثابتة والمتجذرة، ولا تبدو في الأفق بدائل غير الصراع والصحوات السيئة الذكر لكل ما هو فردي وعنصري، شوفيني وقومي متطرف.
الساعون على درب «سلام»، يتم تدريب ملكاتهم الذهنية والفكرية على إظهار احترام صادق غير منحول لثقافات الشعوب الأخرى، وأنماط حيوات البشر، وتوجهات معتقداتهم، انطلاقاً من التعددية كحكمة إلهية في الخلق.
من هذا المنطلق يمكن لشباب «سلام» الدخول في عمق عملية تبادل الرؤى والأفكار، بشفافية وموضوعية، ومن غير أدنى إحساس بصغر الذات، أو الخجل الحضاري، فللعرب تاريخ وحضارة، ثقافة وإرث إنساني، يحتاج فقط إلى إزالة ما علق بأثوابه عبر قرون الجمود السيكولائي.
ميزة «سلام» في واقع الحال، أنها لا تعتمد طرح الحوارات الخشبية، بل تسعى إلى رحابة اللقاء مع الآخر، من جنسيات مغايرة من مشارق الأرض إلى مغاربها، وفي هذا صقل لمعارف شباب سعودي واعد، ما يجعله مؤهلاً للتواصل مع العالم، عبر رؤية راقية رائقة، ومن خلال مقدرة على محاججة سر الإبداع المتجدد في الذات العربية أمس واليوم وإلى ما شاء الله.
فلسفة «سلام» التي خبرها الكثيرون من خلال إقامة الفعاليات والأنشطة الرائدة، تولد قدرة حقيقية على العطاء، ففي الحوار يقدم المتحاورون أنفسهم ومعلوماتهم، لبعضهم البعض، ومن خلال الحوار يقيمون علاقة مشتركة تنمي الود، سواء على أسس التنوع أو الخلاف أو الاتفاق، وفي لقاء أعضاء الجماعة مع نظرائهم من بقاع وأصقاع الأرض يرسمون صورة حضارية زاهية للمملكة بشكل مباشر.
أطلق مشروع «سلام» عدداً من المنصات الإلكترونية التفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي، في نهج عولمي لتسخير العالم السيبراني بصورة هادفة، تظهر من خلالها مظاهر الثقافة والحياة في السعودية، عطفاً على المؤتمرات وورش العمل وجلسات العصف الذهني.
باختصار غير مخلٍ، يبدو مشروع «سلام» جسراً ذهبياً تعبر عليه صورة المملكة الأصلية في الحال والاستقبال.