باميلا بول
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

ماذا علينا أن نفعل تجاه الأميركيين الذين يعشقون أسلحتهم؟

عندما يصل طفل إلى سن البلوغ في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، كان يتلقى عدداً لا بأس به من رسائل الخدمة العامة. على سبيل المثال، كان سموكي بير يحذّره من أنه لا أحد غيره باستطاعته منع حرائق الغابات. وكانت رسالة أخرى تحمل صورة ممثل يرتدي ملابس السكان الأصليين لأميركا ويذرف دمعة من أجل تحفيز الناس على عدم إلقاء القمامة (أو على الأقل الشعور بالذنب لدى فعلهم ذلك). كما أن دمى اختبار التصادم جعلت أي شخص لا يرتدي حزام الأمان في السيارة يبدو أقرب إلى المعتوه. كما أدت الحملات اللاحقة ضد التدخين إلى شعور الكثير من المراهقين بالرعب إزاء إشعال سيجارتهم الأولى.
ومثلما هو واضح، فإن هذه الرسائل لم تفلح في تحويل الجميع إلى مواطنين يتحلون بالمسؤولية، ودعونا نقر هنا بأن التغيير الحقيقي يتطلب تمرير قوانين -وهو أمر ليس بالهين. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن مثل هذه الرسائل البسيطة تَعلق في الذهن، وعندما تجري صياغتها على النحو السليم -خصوصاً عندما تكون هناك أرواح على المحك- فإنها أثبتت تميزها بقدر بالغ من الفاعلية.
وهكذا يجب أن نبدأ في تغيير نظرة الناس إلى الأسلحة.
وتظل الحقيقة المثيرة للقلق هنا أن عدداً صادماً من الأميركيين يريدون بوضوح -بل يعشقون- امتلاك أسلحة. ولا يقتصر الأمر على امتلاك هذا البلد عدداً من الأسلحة يفوق أعداد ساكنيه فحسب، بل الملاحظ كذلك أنه على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، أصبح الأميركيون أقل تأييداً لقوانين الأسلحة الأكثر صرامة.
والمثير للدهشة أنه عام 1959 فضل 60 في المائة من الأميركيين فرض حظر على امتلاك المسدسات، باستثناء تلك التي يستخدمها ضباط الشرطة وغيرهم من الأشخاص المصرح لهم بذلك. اليوم أصبحت هذه النسبة 19 في المائة.
وتكشف المأساة التي وقعت في أوفالدي بولاية تكساس من جديد، انعدام المعنى في علاقة الحب هذه.
لسوء الحظ، جرى إحباط الإجراءات الأكثر احتياجاً والأكثر فاعلية -مثل إلغاء التعديل الثاني.
ونظراً لغياب الإرادة، واتخاذ إجراءات نصفية، والتقاعس العام تجاه السيطرة على المعروض من الأسلحة، يبقى من الممكن بذل جهود جادة لتقليص الطلب. ومع الأخذ في الاعتبار أن القاتليْن في أوفالدي وبافالو كانا يبلغان من العمر 18 عاماً فقط، بإمكاننا السعي لمحاولة الوصول إلى الجيل التالي. في المتوسط، أفاد الرجال الذين نشأوا في أسر تملك أسلحة، أنهم أطلقوا النار للمرة الأولى في حياتهم في سن الـ12، بينما أفادت النساء بأن ذلك حدث في سن الـ17 عاماً.
وفي الوقت ذاته، تنفق صناعة السلاح كميات هائلة من الأموال على جهود الضغط والإعلانات.
ويمكننا مواجهة جهود صناعة الأسلحة لبيع المزيد من الأسلحة من خلال حملة ضخمة في مجال الصحة العامة تهدف إلى جعل الأسلحة أقل جاذبية وقبولاً، وإلغاء فكرة أنها تشكل جزءاً من أسلوب الحياة الأميركي المفترض. ويمكن أن تحاول الحملة تحقيق ذلك من خلال إثارة ذعر الناس، بل يمكن تجريب الدعابة أيضاً.
من ناحيتها، اتخذت ولاية كولورادو خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح من خلال حملة خدمة عامة عام 2021 تشدد على تخزين الأسلحة وسلامتها. وكان أحد أهداف الحملة خفض المعدل المروع لانتحار المراهقين -وهو جهد نبيل، لكنه يعمل على أساس فرضية أن امتلاك السلاح أمر مقبول. والآن، ماذا لو أصبحنا أكثر طموحاً من خلال الرسائل التي نبعث بها إلى الجماهير، بحيث ننتقل إلى مسألة امتلاك السلاح نفسه؟ ويمكن لحملة فعالة ضد شراء الأسلحة الاعتماد على اللقطات الإخبارية المروعة من عمليات إطلاق النار الجماعية في البلاد. ويمكن لحملة فعالة ضد الأسلحة أن تحصي بشكل مؤثر عمليات القتل خلال فترة معينة، مثلما فعل غاري يونغ في كتابه «يوم آخر في موت أميركا» أو مدونة جيل لوفي التي تحمل عنوان «تقرير أعمال القتل»، والتي حاولت تتبع كل جريمة قتل وقعت في لوس أنجليس كاونتي خلال عام واحد. أو يمكن صبغ الأمر بصبغة شخصية، باستخدام شهادة من طفل فقد أخته في حادث إطلاق نار بالمدرسة أو من مراهق انتحر صديقه في سن 14 عاماً باستخدام سلاح كان يحتفظ به والداه في المنزل.
وعلينا أن نضع في الاعتبار تأثير الحملات الكبرى الأخرى في مجال الخدمة العامة، والتي تنجح بشكل خاص عندما يكون من الواضح أن الرسالة تتعلق بإنقاذ الأرواح. على سبيل المثال، بين بداية الحملة المعنية بالتشجيع على ربط حزام الأمان وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وجد أحد التقارير أن الاستخدام ارتفع من 14 في المائة إلى 80 في المائة، مما أسهم في إنقاذ آلاف الأرواح. كما استمر معدل وفيات القيادة تحت تأثير الكحول في التراجع منذ حملة «الأصدقاء لا يَدَعون أصدقاءهم يقودون سياراتهم وهم في حالة سكْر» التي بدأت عام 1983.
وساعدت جهود التثقيف العام والمساعدات الخاصة الإبداعية على تقليل استخدام السجائر في سن المراهقة بشكل كبير. جدير بالذكر هنا أنه في أثناء وقوعها تحت تأثير صناعة التبغ، لعبت هوليوود دوراً رئيسياً في إثارة مشاعر الانبهار تجاه التدخين، ولكن بعد ذلك، خصوصاً بعد حظر تصوير منتجات التبغ، فرضت هوليوود قيوداً على ظهور التدخين في الأفلام والتلفزيون. ولا تزال هذه الجهود مستمرة.
في بعض الأحيان، بطبيعة الحال، تشكل السيجارة، مثل البندقية، مفتاح قصة الفيلم أو الشخصيات، لكن من المؤكد أنه ليس من الضروري دوماً الحصول على بندقية في سياق السرد القصصي.
ويمكن لحملة دعائية قوية تشغيل مثل هذه الإعلانات خلال أحداث رياضية أو فنية كبرى، مثل حفل توزيع جوائز الأوسكار. ويمكن لهذه الحملة كذلك الوصول للمراهقين ليس فقط من خلال الشاشة الكبيرة والفصل الدراسي، وإنما كذلك عبر منصات «تيك توك» وغيرها. ومن خلال التكنولوجيا والمدارس، يمكن أن تجذب الأطفال إلى خلق الرسالة ونشرها.
المؤكد أن محاولة تغيير عقلية المستهلك والمواقف العامة تجاه الأسلحة تشكل تحدياً كبيراً، بالنظر إلى مدى صلابة ثقافة السلاح. إلا أنه بالنظر إلى الألم والخسارة التي تُلحقها الأسلحة بالفعل بهذا البلد، هل ستضيرنا المحاولة؟
* خدمة «نيويورك تايمز»