يوجين روبنسون
كاتب اميركي
TT

لماذا نقاتل من أجل العراقيين إذا لم يقاتلوا هم من أجل أنفسهم؟

إذا لم يقاتل العراقيون من أجل بقاء أمتهم، فلماذا ينبغي أن نقوم نحن بذلك؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه سقوط مدينة الرمادي، والذي كشف عن خواء السياسة الأميركية. لا يفهم منتقدو الرئيس أوباما مغزى الأمر، وهو أنه في نهاية المطاف لا يهم كم عدد القوات التي يرسلها من جديد إلى العراق، أو ما إذا كانوا سيطأون الأرض أم لا، فالحقيقة البسيطة هي أن العراقيين لن يجتمعوا معا للقتال من أجل بلد موحد وآمن، وسيكون هناك نزاع مستمر، وفوضى يمكن أن تهدد المصالح الأميركية.
وعلينا أن نتناقش حول أفضل الطرق لاحتواء وتقليص حجم التهديد. وفي ظني، أن من شأن مزيد من التصعيد في دور الجيش الأميركي أن يفضي بالتأكيد إلى مستنقع لن يزيد درجة أمننا. وإذا كان الاختيار هو إما أن نذهب لأبعد حدّ أو أن نعود أدراجنا إلى الديار، فيجب أن نركن للخيار الأخير.
وكان من المفترض أن يتراجع تنظيم داعش بفعل الغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، ولكن تمكنت الجماعة من الاستيلاء على مدينة الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، وهي الآن تعزز سيطرتها على تلك المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية. وبمجرد أن يرسّخ مقاتلو «داعش» أقدامهم بالكامل، سيكون من الصعب إخراجهم.
ومن أبرز مشاهد قتال يوم الأحد كانت تلك المقاطع المصورة لجنود عراقيين منطلقين يهرولون لا صوب المعركة، بل في الاتجاه المعاكس. ولم يكن الأمر يشبه أي نوع من الانسحاب التكتيكي، بل بدا هروبا بأقصى سرعة.
وتم التعرف على هؤلاء على نطاق واسع بوصفهم عناصر من وحدات «النخبة» بالجيش العراقي. وفي أثناء هرولتهم، خلفت القوات العراقية وراءها دبابات، وقطعا مدفعية، ومركبات أفراد مدرعة، وسيارات مدرعة من طراز «هامفي»، زودتها بها الولايات المتحدة. وهناك اعتقاد أن معظم المعدات تعمل بشكل جيد، وكلها الآن في أيدي «داعش». وحدث الشيء نفسه عندما اجتاح التنظيم مواقع حكومية أخرى، مما يعني أننا قد ساهمنا فعليا في تسليح العدو.
وتعهد أوباما بـ«إضعاف (داعش) وتدميره في النهاية». وتعتمد استراتيجيته على استخدام القوة الجوية الأميركية للسيطرة على المتشددين، في الوقت الذي يقدم فيه المستشارون الأميركيون للجيش العراقي ما يحتاج إليه من تدريب لاستعادة الأراضي من قبضة «داعش».
ولكن هذا انتصار للأمل على حساب التجربة، فقد أمضت الولايات المتحدة ما يقرب من عقد من الزمان في تدريب القوات المسلحة العراقية، والنتيجة كانت جيشا غير قادر على القتال، أو جيشا لا يرغب في القتال. وتتباطأ الحكومة في بغداد، التي تهيمن عليها الأغلبية الشيعية، في تزويد زعماء العشائر السنية بالأسلحة اللازمة لمقاومة «داعش». فيما تدافع قوات إقليم كردستان الكردية، التي لديها حافز وتتمتع بالقدرة، عن الجزء الذي توجد فيه من البلاد.
وإذا كان من الممكن طرد «داعش» من مدينة الرمادي، فإن هذه المهمة لن يقوم بها الجيش النظامي، وإنما الجماعات المسلحة القوية التي تسلحها وتدربها، وفي بعض الحالات تقودها إيران. وقد يأتي قريبا يوم يطالب فيه أحد القادة العسكريين الإيرانيين بأن يقود تقدما داخل المدينة، بغطاء جوي أميركي له.
والنتيجة المنطقية لسياسة أوباما، التي ترقى لنوع من الحرب الضعيفة، هي زيادة العمليات والتصعيد التدريجي. يمكن إرسال عدد قليل إضافي من القوات، والسماح لهم بمصاحبة العراقيين في دوريات، ليقدموا مثالا عمليا. أرسل المزيد، فقد ترى الآن هذا الطريق على حقيقته، إنه يمكن أن يقود إلى فيتنام أخرى.
وما البدائل؟ سيكون واحد منها هو إحياء عقيدة القوة الكاسحة لكولن باول التي تتمثل في إرسال العدد الكافي من القوات لطرد «داعش» من العراق نهائيا. وقد غزونا واحتللنا البلد مرة، ويمكننا القيام بذلك مجددا.
مع ذلك لا يزال تنظيم داعش يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، ومن ثم يمثل بالأساس التهديد نفسه الذي نواجهه الآن. وإذا كان هدفنا فعلا هو «تدمير» التنظيم، كما يقول أوباما، فعلينا التدخل في الحرب الأهلية السورية. وهل يمكن أن ينتهي بنا المطاف إلى القتال جنبا إلى جنب مع الحاكم المستبد بشار الأسد، كما نقاتل إلى جانب أصدقائه الإيرانيين؟ أم، لأن سياسة أوباما تقضي برحيل الأسد، سنضطر إلى احتلال هذا البلد، أيضا، وندخل في مشروع جديد لبنائه؟ يقودنا هذا المسار من سيئ إلى أسوأ وليست له نهاية واضحة.
الخيار الآخر هو الانسحاب. ويصدمني هذا باعتباره أسوأ مسار، باستثناء البقية.
والحقيقة التي تدعو للأسف هي أن صانعي السياسات الأميركية يريدون عراقا واحدا، متنوعا، ديمقراطيا أكثر مما يريده كثير من العراقيين. وإلى أن يتغير هذا الوضع، يجب أن يكون هدف سياستنا معتدلا وهو احتواء تنظيم داعش من بعيد، واستهداف قيادة الجماعة، ربما بهجمات بطائرات تعمل من دون طيار.
أو يمكننا مطاردة السراب وانتظار المعجزات.
* خدمة «واشنطن بوست»