شاشة الناقد

مشهد من «فاينال كَت»
مشهد من «فاينال كَت»
TT

شاشة الناقد

مشهد من «فاينال كَت»
مشهد من «فاينال كَت»

- ‫Final Cut ‬
- «النسخة الأخيرة»
- إخراج: ميشيل أزاناڤسيوس | Michel Hazanavicius
- فرنسا (2022)
- ‪رعب كوميدي‬ | عروض: كان (خارج المسابقة)
- ★
لا علم لأحد حول كيف يتم اختيار أفلام مهرجان «كان» ولا بالطبع على أي أساس نخبوي يتم اختيار فيلم الافتتاح. لكن يمكن، من خلال بحث ينصرف إليه الناقد، استشراف أن المهرجان الفرنسي لم يصب في اختيارات أفلام الافتتاح أكثر من مرات عدة طوال تاريخه الحديث (لنقل منذ بداية هذا القرن مثلاً).
وكما أشرت هنا سابقاً، كان المهرجان اختار فيلم زومبي حققه جيم جارموش بمنحاه الخاص وأسلوبه الناجح في إبقاء الدراما تتفاعل تحت السطح عنوانه «الموتى لا يموتون». تحديات ذلك الفيلم الفنية محدودة وهو لم يترك الأثر الذي يشجع الآخرين على تذكره كواحد من علامات تلك الدورة.
فيلم ميشيل أزاناڤسيوس سيفعل ذلك، ولو من مدخل آخر: سيعلق في البال على أنه أسوأ اختيار لحفل افتتاح مهرجان كبير مثل «كان». هذا ليس عائداً إلى أنه فيلم زومبي أو إلى أنه فيلم زومبي - كوميدي، ولو أن على فيلم من هذا النوع أن يكون نموذجياً وجديراً بالإعجاب (كأفلام جورج أ. روميرو صانع «ليلة الأحياء - الموتى» والسلسلة التي تبعته) بل لأنه فيلم ركيك وسخيف كان يصلح للاشتراك في مهرجان متخصص في أفلام الرعب لولا أن صيت صانعه، كمخرج حاز حقيبة من الأوسكارات عن فيلمه الأسبق (والأفضل للآن) «صامت» (Silent) لن تسمح له بذلك.
يفتح الفيلم على طاقم عمل فيلم رعب صغير حول الزومبيز. يتضمن الطاقم فنيين وممثلين محاطين بما يشي بنوعية الفيلم كمستوى وقيمة إنتاجية ضحلة. فجأة يجدون أنفسهم عرضة لهجوم من زومبيز حقيقيين. الواحد منهم، قد يقوم من موته وقد أصبح زومبي آخر.
عند هذه اللحظة المتقدمة من الفيلم لم أمانع في أن يقوم الفيلم من موته المبكر ليرتفع قليلاً عن مستوى قصد المخرج به أن يماثل الطريقة التي يتم فيها (حسب رأيه ورؤيته) تلك الأفلام الرخيصة المماثلة. الطريقة الأجدى ليست المحاكاة باستخدام ذات الطرق والعناصر التي في أفلام العنف، بل في القدرة على توفير النظرة إليها لتتضمن وصفها على النحو التي هي عليه والمسافة التي على الفيلم اتخاذها لكي تنجح مبادرته سواء أكانت استخدام الهلع كمفتاح أم الكوميديا والسخرية كسبب لهذا الاختيار.
لكن أزاناڤسيوس بعيد جداً عن ذلك. يريد أن يصنع فيلماً ساخراً عن أفلام (بما فيها الفيلم الياباني الذي نقل حكايته، كما أوردت في رسالة سابقة من «كان» وهو «قطعة من الميت») ولا يستطيع. لا النكتة تصل ولا الرعب يحدث. فقط العنف والدم يندمجان في لقطات لا معنى لها.
هذه البداية (نحو نصف ساعة) ستكون شريحة ما سيسود لاحقاً عندما ينقلنا «فاينال كت» (وهو عنوان إنجليزي لا يعبر عن شيء بالتحديد هنا) إلى فترة ما قبل التصوير حيث نشاهد منتجاً يابانياً يتقدم من مخرج فرنسي غير ذي شأن (رومان دوريس) بمشروع هذا الفيلم المنوي تصويره. هذا المخرج الفرنسي لديه ابنة صغيرة (هي ابنة المخرج أزاناڤسيوس فعلاً) ومتزوج من ممثلة (التي هي شريكة حياة أزاناڤسيوس في الواقع).
لحمة عائلية وراء الكاميرا لا تعني سوى أن أزاناڤسيوس، وبتفكير مرجعي وتقليدي، يريد توزيع الكعكة على الأقربين أولاً. سنعود لاحقاً لمتابعة ما بدأ الفيلم عليه من تمهيد لكن الفيلم بأسره كان انتهى في البال والتوقعات منذ حين وجيز على بدايته.
في الأساس، وعلى نحو عملي، عرض كل ما سيأتي عليه لاحقاً في تلك البداية، هذا لأن قريحة المخرج أشارت له بأنه في وقت لاحق من الفيلم، وبعد الحديث عن معضلات درامية لمخرج مضطر لتحقيق فيلم سخيف، نعود فنرى المشاهد ذاتها لاحقاً. في أيام خلت كان من حق المشاهد الاعتقاد أن عارض الفيلم في الصالة خلط البكرات، لكن هنا هو خلط فراغات.
ومع مشاهد مثل يد مقطوعة يلعب بها أفراد الفيلم - داخل الفيلم، ورؤوس يطاح بها بالفؤوس وما شابه من لقطات ومشاهد أخرى لتجسيد دموية الفيلم الصغير داخل الفيلم الكبير، يصل الفيلم إلى منحدر جديد ينزلق فوقه ويستمر عليه حتى النهاية.
ميشيل أزاناڤسيوس كتب السيناريو ونفذه كما كتبه من دون نصيحة أحد. هذا يعني أن الرجل وجد صوته وغنى به معجباً بصرف النظر عما إذا كان صالحاً للغناء أم لا. الفيلم لم يكن يحتاج، على سبيل المثال، لبداية سنعود لتكملتها فيما بعد. التفعيلة مثل لعبة نارية خمدت بعد ثوان من انطلاقها. لم يكن بحاجة لتصوير الانفعال بانفعال آخر مفتعل. وقيمة الفيلم تتدنى أكثر عندما يحاول الربط بين الرعب وقضايا هائمة هنا مثل الحرب العالمية الثانية ووقعها على اليابان كما لو أن أفلام الرعب هناك ارتبطت بها. وهو يسرق من عند جورج أ. رومبرو مفاداته حول الزومبي والسلطات ودور الإعلام. لو سرقها واستخدمها جيداً، لكان به، لكن الفيلم لا يفعل بها شيئاً سوى محاولة ستر بعض عري أفكاره بورق التوت.
الشيء الوحيد الباقي يتمحور، إذاً، حول سؤالين: هل كان أزاناڤسيوس مضطرا لتحقيق هذا الفيلم؟ والثاني هل كان المهرجان مضطراً لعرضه كفيلم افتتاح تمثل 75 سنة من الإنجاز؟

ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
ممتاز ★★★★ تحفة ★★★★★


مقالات ذات صلة

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق ‎⁨رولا دخيل الله ومصطفى شحاته خلال الحديث لـ«الشرق الأوسط»⁩

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.